الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُلَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا بَيَانٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلَّذِينِ حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ النِّسَاءَ وَالنَّوْمَ وَاللَّحْمَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَشَبُّهًا مِنْهُمْ بِالْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابَهُ يَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}، [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 87]. فَنَهَاهُمْ بِذَلِكَ عَنْ تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا تَعْتَدُوا أَيْضًا فِي حُدُودِي، فَتُحِلُّوا مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَكُمْ غَيْرُ جَائِزٍ، كَمَا غَيْرُ جَائِزٍ لَكُمْ تَحْرِيمُ مَا حَلَّلْتُ، وَإِنِّي لَا أُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ عَنِ الَّذِي حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِمَّا إِذَا اسْتَحَلُّوهُ وَتَقَدَّمُوا عَلَيْهِ، كَانُوا مِنَ الْمُعْتَدِينَ فِي حُدُودِهِ فَقَالَ لَهُمْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، إِنَّ الْخَمْرَ الَّتِي تَشْرَبُونَهَا، وَالْمَيْسِرَ الَّذِي تَتَيَاسَرُونَهُ، وَالْأَنْصَابَ الَّتِي تَذْبَحُونَ عِنْدَهَا، وَالْأَزْلَامَ الَّتِي تَسْتَقْسِمُونَ بِهَا "رِجْسٌ"، يَقُولُ: إِثْمٌ وَنَتَنٌ سَخِطَهُ اللَّهُ وَكَرِهَهُ لَكُمْ "مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ"، يَقُولُ: شُرْبُكُمُ الْخَمْرَ، وَقِمَارَكُمْ عَلَى الْجُزُرِ، وَذَبْحُكُمْ لِلْأَنْصَابِ، وَاسْتِقْسَامَكُمْ بِالْأَزْلَامِ، مِنْ تَزْيِينِ الشَّيْطَانِ لَكُمْ، وَدُعَائِهِ إِيَّاكُمْ إِلَيْهِ، وَتَحْسِينِهِ لَكُمْ، لَا مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي نَدَبَكُمْ إِلَيْهَا رَبُّكُمْ، وَلَا مِمَّا يَرْضَاهُ لَكُمْ، بَلْ هُوَ مِمَّا يُسْخِطُهُ لَكُمْ "فَاجْتَنِبُوهُ"، يَقُولُ: فَاتْرُكُوهُ وَارْفُضُوهُ وَلَا تَعْمَلُوهُ "لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، يَقُولُ: لِكَيْ تَنْجَحُوا فَتُدْرِكُوا الْفَلَّاحَ عِنْدَ رَبِّكُمْ بِتَرْكِكُمْ ذَلِكَ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى "الخَمْرِ"، وَ "المَيْسِرِ"، وَ "الأَزْلَامِ" فِيمَا مَضَى، فَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ. وَأَمَّا "الأَنْصَابُ"، فَإِنَّهَا جَمْعُ"نُصُبٍ"، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى "النُّصُبِ" بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى. وَرَوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَعْنَى "الرِّجْسِ" فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، مَا:- حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: "رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ"، يَقُولُ: سَخَطٌ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ، مَا:- حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: "رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ"، قَالَ: "الرِّجْسُ"، الشَّرُّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّمَا يُرِيدُ لَكُمُ الشَّيْطَانُشُرْبَ الْخَمْرِ وَالْمُيَاسَرَةَ بِالْقِدَاحِ، وَيُحَسِّنُ ذَلِكَ لَكُمْ، إِرَادَةً مِنْهُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي شُرْبِكُمُ الْخَمْرَ وَمُيَاسَرَتِكُمْ بِالْقِدَاحِ، لِيُعَادِيَ بَعْضكُمْ بَعْضًا، وَيُبَغِّضَ بَعْضَكُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَيُشَتِّتَ أَمْرَكُمْ بَعْدَ تَأْلِيفِ اللَّهِ بَيْنَكُمْ بِالْإِيمَانِ، وَجَمْعِهِ بَيْنَكُمْ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ "وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ"، يَقُولُ: وَيَصْرِفُكُمْ بِغَلَبَةِ هَذِهِ الْخَمْرِ بِسُكْرِهَا إِيَّاكُمْ عَلَيْكُمْ، وَبِاشْتِغَالِكُمْ بِهَذَا الْمَيْسِرِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ الَّذِي بِهِ صَلَاحُ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتَكُمْ "وَعَنِ الصَّلَاةِ"، الَّتِي فَرَضَهَا عَلَيْكُمْ رَبُّكُمْ "فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ"، يَقُولُ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ عَنْ شُرْبِ هَذِهِ، وَالْمُيَاسَرَةِ بِهَذَا، وَعَامِلُونَ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ رَبُّكُمْ مِنْ أَدَاءِ مَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنَ الصَّلَاةِ لِأَوْقَاتِهَا، وَلُزُومِ ذِكْرِهِ الَّذِي بِهِ نُجْحُ طَلَبَاتِكُمْ فِي عَاجِلِ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ؟. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ بِسَبَبٍ كَانَ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ أَنَّهُ ذَكَرَ مَكْرُوهَ عَاقِبَةِ شُرْبِهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَأَلَ اللَّهَ تَحْرِيمَهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ قَالَ، قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا! قَالَ: فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي "البَقَرَةِ": (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)، [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 219]. قَالَ: فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا! فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي "النِّسَاءِ": (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) [سُورَةُ النِّسَاءِ: 43]. قَالَ: وَكَانَ مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ: لَا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ السَّكْرَانُ! قَالَ: فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا! قَالَ: فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي "المَائِدَةِ": " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ} " إِلَى قَوْلِهِ: "فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ". فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: "فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ" قَالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا !! حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبَى، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ قَالَ، قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِالْعَقْلِ وَالْمَالِ! ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ وَكِيعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ قَالَ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ وَإِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو مَعْشَرٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، أَتَاهُ النَّاسُ وَقَدْ كَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَأْكُلُونَ الْمَيْسِرَ، فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 219]، فَقَالُوا: هَذَا شَيْءٌ قَدْ جَاءَ فِيهِ رُخْصَةٌ، نَأْكُلُ الْمَيْسِرَ وَنَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَنَسْتَغْفِرُ مِنْ ذَلِكَ!. حَتَّى أَتَى رَجُلٌ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) [سُورَةُ الْكَافِرُونَ]. فَجَعَلَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَلَا يَدْرِي مَا يَقْرَأُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 43]. فَكَانَ النَّاسُ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَيَدَعُونَ شُرْبَهَا، فَيَأْتُونَ الصَّلَاةَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَا يَقُولُونَ. فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: "إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ" إِلَى قَوْلِهِ: "فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ"، فَقَالُوا: انْتَهَيْنَا يَا رَبُّ! وَقَالَ آخَرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِسَبَبِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَاحَى رَجُلًا عَلَى شَرَابٍ لَهُمَا، فَضَرْبَهُ صَاحِبُهُ بلَحْيَىْ جَمَلٍ، فَفَزَرَ أَنْفَهُ، فَنَزَلَتْ فِيهِمَا. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثْنِي قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ: صَنَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ طَعَامًا، فَدَعَانَا. قَالَ: فَشَرِبْنَا الْخَمْرَ حَتَّى انْتَشَيْنَا، فَتَفَاخَرَتِ الْأَنْصَارُ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: نَحْنُ أَفْضَلُ مِنْكُمْ! قَالَ: فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لَحْيَىْ جَمَلٍ فَضَرَبَ بِهِ أَنْفَ سَعْدٍ فَفَزَرَهُ، فَكَانَ سَعْدٌ أَفْزَرَ الْأَنْفِ. قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ" إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ، قَالَ سَعْدٌ: شَرِبْتُ مَعَ قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَضَرَبْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ أَظُنُّ بِفَكِّ جَمَلٍ فَكَسَرْتُهُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ: " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} "، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: شَرِبْتُ الْخَمْرَ مَعَ قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ: أَنَّ أَوَّلَ مَا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَصْحَابًا لَهُ شَرِبُوا فَاقْتَتَلُوا، فَكَسَرُوا أَنْفَ سَعْدٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: "إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ"، الْآيَةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: نَزَلَتْ فِي قَبِيلَتَيْنِ مِنْ قَبَائِلِ الْأَنْصَارِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ، حَدَّثَنَا رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومٍ عَنْ جَبْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فِي قَبِيلَتَيْنِ مِنْ قَبَائِلِ الْأَنْصَارِ شَرِبُوا. حَتَّى إِذَا ثَمِلُوا، عَبَثَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. فَلَمَّا أَنْ صَحَوْا جَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَرَى الْأَثَرَ بِوَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ فَيَقُولُ: فَعَلَ بِي هَذَا أَخِي فُلَانٌ! وَكَانُوا إِخْوَةً، لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ضَغَائِنُ، وَاللَّهِ لَوْ كَانَ بِي رَءُوفًا رَحِيمًا مَا فَعَلَ بِي هَذَا! حَتَّى وَقَعَتْ فِي قُلُوبِهِمْ ضَغَائِنُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: "إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ" إِلَى قَوْلِهِ: "فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ"! فَقَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ: رِجْسٌ فِي بَطْنِ فُلَانٍ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقُتِلَ فُلَانٌ يَوْمَ أُحُدٍ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا) [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 93]،. الْآيَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرْمِيُّ، عَنْ أَبِي تَمِيلَةَ، عَنْ سَلَّامٍ مَوْلَى حَفْصِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ قُعُودٌ عَلَى شَرَابٍ لَنَا، [وَنَحْنُ عَلَى رَمْلَةٍ، وَنَحْنُ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ، وَعِنْدَنَا بَاطِيَةٌ لَنَا]، وَنَحْنُ نَشْرَبُ الْخَمْرَ حِلًّا إِذْ قُمْتُ حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّمَ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ: " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} "، إِلَى آخَرَ الْآيَتَيْنِ، "فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ"، فَجِئْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَقَرَأْتُهَا عَلَيْهِمْ إِلَى قَوْلِهِ: "فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ"؟ قَالَ: وَبَعْضُ الْقَوْمِ شِرْبَتُهُ فِي يَدِهِ، قَدْ شَرِبَ بَعْضًا وَبَقِيَ بَعْضٌ فِي الْإِنَاءِ، فَقَالَ بِالْإِنَاءِ تَحْتَ شَفَتِهِ الْعُلْيَا كَمَا يَفْعَلُ الْحَجَّامُ. ثُمَّ صَبُّوا مَا فِي بَاطِيَتِهِمْ، فَقَالُوا: انْتَهَيْنَا رَبَّنَا! انْتَهَيْنَا رَبَّنَا ! وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا كَانَتِ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ، كَانَتْ تَكُونُ بَيْنَ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ بِسَبَبِ الْمَيْسِرِ، لَا بِسَبَبِ السُّكْرِ الَّذِي يَحْدُثُ لَهُمْ مَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ. فَلِذَلِكَ نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنِ الْمَيْسِرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ بِشْرٌ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ يَزِيدَ وَحَدِّثْنِيهِ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقَامِرُ عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَيَقْعُدُ حَرِيبًا سَلِيبًا يَنْظُرُ إِلَى مَالِهِ فِي يَدَيْ غَيْرِهِ، فَكَانَتْ تُورِثُ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةً وَبَغْضَاءَ، فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَدَّمَ فِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالَّذِي يَصْلُحُ خُلُقُهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ سَمَّى هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي سَمَّاهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ"رِجْسًا"، وَأَمَرَ بِاجْتِنَابِهَا. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ نُزُولُهَا كَانَ بِسَبَبِ دُعَاءِ عُمَرَ رِضَى اللَّهِ عَنْهُ فِي أَمْرِ الْخَمْرِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ بِسَبَبِ مَا نَالَ سَعْدًا مِنَ الْأَنْصَارِيِّ عِنْدَ انْتِشَائِهِمَا مِنَ الشَّرَابِ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ مِنْ أَجْلِ مَا كَانَ يَلْحَقُ أَحَدَهُمْ عِنْدَ ذَهَابِ مَالِهِ بِالْقِمَارِ مِنْ عَدَاوَةِ مَنْ يَسَرَهُ وَبُغْضِهِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا بِأَيِ ذَلِكَ كَانَ خَبَرٌ قَاطِعٌ لِلْعُذْرِ. غَيْرَ أَنَّهُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَقَدْ لَزِمَ حُكْمُ الْآيَةِ جَمِيعَ أَهْلِ التَّكْلِيفِ، وَغَيْرُ ضَائِرِهِمُ الْجَهْلَ بِالسَّبَبِ الَّذِي لَهُ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. فَالْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، فَرْضٌ عَلَى جَمِيعِ مَنْ بَلَغَتْهُ الْآيَةُ مِنَ التَّكْلِيفِ اجْتِنَابُ جَمِيعِ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: " {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ" "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ"، فِي اجْتِنَابِكُمْ ذَلِكَ، وَاتِّبَاعِكُمْ أَمْرَهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنَ الِانْزِجَارِ عَمَّا زَجَرَكُمْ عَنْهُ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي بَيَّنَهَا لَكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا، وَخَالِفُوا الشَّيْطَانَ فِي أَمْرِهِ إِيَّاكُمْ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَبْغِي لَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ بَيْنَكُمْ بِالْخَمْرِ وَالْمَيْسِرَ "وَاحْذَرُوا"، يَقُولُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَرَاقِبُوهُ أَنْ يَرَاكُمْ عِنْدَ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي حَرَّمَهَا عَلَيْكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا، أَوْ يَفْقِدَكُمْ عِنْدَ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ، فَتُوبِقُوا أَنْفُسَكُمْ وَتُهْلِكُوهَا" {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ} "، يَقُولُ: فَإِنْ أَنْتُمْ لَمْ تَعْمَلُوا بِمَا أَمَرْنَاكُمْ بِهِ، وَتَنْتَهُوا عَمَّا نَهَيْنَاكُمْ عَنْهُ، وَرَجَعْتُمْ مُدْبِرِينَ عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا جَاءَكُمْ بِهِ نَبِيَّكُمْ " فَاعْلَمُوا أَنَمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ "، يَقُولُ: فَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَنْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْكُمْ بِالنِّذَارَةِ غَيْرُ إِبْلَاغِكُمُ الرِّسَالَةَ الَّتِي أُرْسِلَ بِهَا إِلَيْكُمْ، مُبَيِّنَةً لَكُمْ بَيَانًا يُوَضِّحُ لَكُمْ سَبِيلَ الْحَقِّ، وَالطَّرِيقَ الَّذِي أُمِرْتُمْ أَنْ تَسْلُكُوهُ. وَأَمَّا الْعِقَابُ عَلَى التَّوْلِيَةِ وَالِانْتِقَامِ بِالْمَعْصِيَةِ، فَعَلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ دُونَ الرُّسُلِ. وَهَذَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِيدٌ لِمَنْ تَوَلَّى عَنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. يَقُولُ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ عَنْ أَمْرِي وَنَهْيِي، فَتَوَقَّعُوا عِقَابِي، وَاحْذَرُوا سَخَطِي.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ قَالُوا إِذْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ بِقَوْلِهِ: " {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} ": كَيْفَ بِمَنْ هَلَكَ مِنْ إِخْوَانِنَا وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا؟ وَبِنَا وَقَدْ كُنَّا نَشْرَبُهَا؟ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْكُمْ حَرَجٌ فِيمَا شَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ، فِي الْحَالِ الَّتِي لَمْ يَكُنِ اللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ " {إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، يَقُولُ: إِذَا مَا اتَّقَى اللَّهَ الْأَحْيَاءُ مِنْهُمْ فَخَافُوهُ، وَرَاقَبُوهُ فِي اجْتِنَابِهِمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهُ، وَصَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيمَا أَمَرَاهُمْ وَنَهَيَاهُمْ، فَأَطَاعُوهُمَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ" {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، يَقُولُ: وَاكْتَسَبُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا يَرْضَاهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مِمَّا كَلَّفَهُمْ بِذَلِكَ رَبُّهُمْ " {ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا} "، يَقُولُ: ثُمَّ خَافُوا اللَّهَ وَرَاقَبُوهُ بِاجْتِنَابِهِمْ مَحَارِمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّكْلِيفِ أَيْضًا، فَثَبَتُوا عَلَى اتِّقَاءِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَلَمْ يُغَيِّرُوا وَلَمْ يُبَدِّلُوا"ثُمَّ {اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} "، يَقُولُ: ثُمَّ خَافُوا اللَّهَ، فَدَعَاهُمْ خَوْفُهُمُ اللَّهَ إِلَى الْإِحْسَانِ، وَذَلِكَ "الْإِحْسَانُ"، هُوَ الْعَمَلُ بِمَا لَمْ يَفْرِضْهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَلَكِنَّهُ نَوَافِلُ تَقَرَّبُوا بِهَا إِلَى رَبِّهِمْ طَلَبَ رِضَاهُ، وَهَرَبًا مِنْ عِقَابِهِ "وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"، يَقُولُ: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُتَقَرِّبِينَ إِلَيْهِ بِنَوَافِلِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَرْضَاهَا. فَالِاتِّقَاءُ الْأَوَّلُ: هُوَ الِاتِّقَاءُ بِتَلَقِّي أَمْرِ اللَّهِ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ، وَالدَّيْنُونَةِ بِهِ وَالْعَمَلِ، وَالِاتِّقَاءُ الثَّانِي: الِاتِّقَاءُ بِالثَّبَاتِ عَلَى التَّصْدِيقِ، وَتَرْكِ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ، وَالِاتِّقَاءُ الثَّالِثُ: هُوَ الِاتِّقَاءُ بِالْإِحْسَانِ، وَالتَّقَرُّبِ بِنَوَافِلَ الْأَعْمَالِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ "الِاتِّقَاءَ" الثَّالِثَ، هُوَ الِاتِّقَاءُ بِالنَّوَافِلِ، دُونَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالْفَرَائِضِ؟ قِيلَ: إِنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ وَضْعِهِ الْجُنَاحَ عَنْشَارِبِي الْخَمْرِ الَّتِي شَرِبُوهَا قَبْلَ تَحْرِيمِهِإِيَّاهَا، إِذَا هُمُ اتَّقَوُا اللَّهَ فِي شُرْبِهَا بَعْدَ تَحْرِيمِهَا، وَصَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي تَحْرِيمِهَا، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الْفَرَائِضِ. وَلَا وَجْهَ لِتَكْرِيرِ ذَلِكَ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ، جَاءَتِ الْأَخْبَارُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِأَصْحَابِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ؟ فَنَزَلَتْ: "لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ "، الْآيَة». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ بِإِسْنَادِهِ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَبِيرِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُدِيرُ الْكَأْسَ عَلَى أَبِي طَلْحَةَ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ، وَأَبِي دُجَانَةَ، حَتَّى مَالَتْ رُءُوسُهُمْ مِنْ خَلِيطِ بُسْرٍ وَتَمْرٍ. فَسَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي: أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ! قَالَ: فَمَا دَخَلَ عَلَيْنَا دَاخِلَ وَلَا خَرَجَ مِنَّا خَارِجٌ، حَتَّى أَهْرَقْنَا الشَّرَابَ، وَكَسَرْنَا الْقِلَالَ، وَتَوَضَّأَ بَعْضُنَا، وَاغْتَسَلَ بَعْضُنَا، فَأَصَبْنَا مِنْ طِيبِأُمِ سُلَيْمٍ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ، «وَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ: " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} "، إِلَى قَوْلِهِ: " {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا مَنْزِلَةُ مَنْ مَاتَ مِنَّا وَهُوَ يَشْرَبُهَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: " {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} " الْآيَةَ، » فَقَالَ رَجُلٌ لِقَتَادَةَ: سَمِعْتَهُ مِنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ رَجُلٌ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ! وَحَدَّثَنِي مَنْ لَمْ يَكْذِبْ، وَاللَّهِ مَا كُنَّا نَكْذِبُ، وَلَا نَدْرِي مَا الْكَذِبُ! حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ قَالُوا: كَيْفَ بِأَصْحَابِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ؟ فَنَزَلَتْ: " {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} "، الْآيَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ، قَالَ الْبَرَاءُ: مَاتَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، فِلْمًا نَزَلَ تَحْرِيمُهَا، قَالَ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَكَيْفَ بِأَصْحَابِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: " {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} "، الْآيَةَ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: نَزَلَتْ: " {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا"}، فِيمَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ وَأُحُدٍ مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ ابْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: " {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} "، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قِيلَ لِي: أَنْتَ مِنْهُمْ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: " {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} "، إِلَى قَوْلِهِ: " {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ فِي"سُورَةِ الْمَائِدَةِ"، بَعْدَ "سُورَةِ الْأَحْزَابِ"، قَالَ فِي ذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُصِيبَ فُلَانٌ يَوْمَ بَدْرٍ، وَفُلَانٌ يَوْمَ أُحُدٍ، وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا! فَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: " {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} "، يَقُولُ: شَرِبَهَا الْقَوْمُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَإِحْسَانٍ، وَهِيَ لَهُمْ يَوْمئِذٍ حَلَالٌ، ثُمَّ حُرِّمَتْ بَعْدَهُمْ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ لِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَضَوْا؟ كَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، وَيَأْكُلُونَ الْمَيْسِرَ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} "، يَعْنِي قَبْلَ التَّحْرِيمِ، إِذَا كَانُوا مُحْسِنِينَ مُتَّقِينَ، وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: " {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} " مِنَ الْحَرَامِ قَبْلَ أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِمْ، إِذَا مَا اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا، بَعْدَ مَا حُرِّمَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ}، [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 275]. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} "، يَعْنِي بِذَلِكَ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الْخَمْرُ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ فِيهَا جُنَاحٌ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ. فَلَمَّا حُرِّمَتْ قَالُوا: كَيْفَ تَكُونُ عَلَيْنَا حَرَامًا، وَقَدْ مَاتَ إِخْوَانُنَا وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: " {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} "، يَقُولُ: لَيْسَ عَلَيْهِمْ حَرَجٌ فِيمَا كَانُوا يَشْرَبُونَ قَبْلَ أَنْ أُحَرِّمَهَا، إِذَا كَانُوا مُحْسِنِينَ مُتَّقِينَ"وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ". حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: " {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} "، لِمَنْ كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ مِمَّنْ قُتِلَ مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ وَأُحُدٍ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَوْلُهُ: " {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ} "، الْآيَةَ، هَذَا فِي شَأْنِ الْخَمْرِ حِينَ حُرِّمَتْ، سَأَلُوا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِخْوَانُنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ "لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ "، يَقُولُ: لَيَخْتَبِرَنَّكُمُ اللَّهُ "بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ"، يَعْنِي: بِبَعْضِ الصَّيْدِ. وَإِنَّمَا أَخْبَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّهُ يَبْلُوهُمْ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُهُمْ بِصَيْدِ الْبَحْرِ، وَإِنَّمَا ابْتَلَاهُمْ بِصَيْدِ الْبَرِّ، فَالِابْتِلَاءُ بِبَعْضٍ لَا بِجَمِيعٍ. وَقَوْلُهُ: "تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ"، فَإِنَّهُ يَعْنِي: إِمَّا بِالْيَدِ، كَالْبَيْضِ وَالْفِرَاخِ وَإِمَّا بِإِصَابَةِ النَّبْلِ وَالرِّمَاحِ، وَذَلِكَ كَالْحُمُرِ وَالْبَقَرِ وَالظِّبَاءِ، فَيَمْتَحِنَكُمْ بِهِ فِي حَالِ إِحْرَامِكُمْ بِعُمْرَتِكُمْ أَوْ بِحَجِّكُمْ. وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، أَخْبَرَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} "، قَالَ: "أَيْدِيكُمْ"، صِغَارُ الصَّيْدِ، أَخْذُ الْفِرَاخِ وَالْبَيْضِ، وَ "الرِّمَاحُ" قَالَ: كِبَارُ الصَّيْدِ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} "، قَالَ: النَّبْلُ"رِمَاحُكُمْ"، تَنَالُ كَبِيرَ الصَّيْدِ، "وَأَيْدِيكُمْ"، تَنَالُ صَغِيرَ الصَّيْدِ، أَخْذُ الْفَرْخِ وَالْبَيْضِ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} "، قَالَ: مَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفِرَّ مِنَ الصَّيْدِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ}، قَالَ: هُوَ الضَّعِيفُ مِنَ الصَّيْدِ وَصَغِيرُهُ، يَبْتَلِي اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِهِ عِبَادَهُ فِي إِحْرَامِهِمْ، حَتَّى لَوْ شَاءُوا نَالُوهُ بِأَيْدِيهِمْ. فَنَهَاهُمُ اللَّهُ أَنْ يَقْرَبُوهُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، وَلَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ}، قَالَ: الْفِرَاخُ وَالْبَيْضُ، وَمَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفِرّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَيَخْتَبِرَنَّكُمُ اللَّهُ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، بِبَعْضِ الصَّيْدِ فِي حَالِ إِحْرَامِكُمْ، كَيْ يَعْلَمَ أَهْلَ طَاعَةِ اللَّهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَالْمُنْتَهِينَ إِلَى حُدُودِهِ وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَمَنِ الَّذِي يَخَافُ اللَّهَ فَيَتَّقِي مَا نَهَاهُ عَنْهُ، وَيَجْتَنِبُهُ خَوْفَ عِقَابِهِ "بِالْغَيْبِ"، بِمَعْنَى: فِي الدُّنْيَا، بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ "الْغَيْبَ "، إِنَّمَا هُوَ مَصْدَرُ قَوْلِ الْقَائِلِ: "غَابَ عَنِّي هَذَا الْأَمْرُ فَهُوَ يَغِيبُ غَيْبًا وَغَيْبَةً"، وَأَنَّ مَا لَمْ يُعَايَنْ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّيهِ "غَيْبًا". فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إذًا: لِيَعْلَمَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ مَنْ يَخَافُ اللَّهَ فَيَتَّقِي مَحَارِمَهُ الَّتِي حَرَّمَهَا عَلَيْهِ مِنَ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ، بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ وَلَا يُعَايِنُهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ"، فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَمَنْ تَجَاوَزَ حَدَّ اللَّهِ الَّذِي حَدَّهُ لَهُ، بَعْدَ ابْتِلَائِهِ بِتَحْرِيمِ الصَّيْدِ عَلَيْهِ وَهُوَ حَرَامٌ، فَاسْتَحَلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْهُ بِأَخْذِهِ وَقَتْلِهِ"فَلَهُ عَذَابٌ، مِنَ اللَّهِ "أَلِيمٌ"، يَعْنِي: مُؤْلِمٌ مُوجِعٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهَ “ لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ “، الَّذِي بَيَّنْتُ لَكُمْ، وَهُوَ صَيْدُ الْبَرِّ دُونَ صَيْدِ الْبَحْرِ “ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ “، يَقُولُ: وَأَنْتُمْ مُحْرِمُونَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. وَ “ الْحُرُمُ “، جَمْعُ “ حَرَامٍ “، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ. تَقُولُ: “ هَذَا رَجُلٌ حَرَامٌ “ وَ“ هَذِهِ امْرَأَةٌ حَرَامٌ “. فَإِذَا قِيلَ: “ مُحْرِمٌ “، قِيلَ لِلْمَرْأَةِ: “ مُحْرِمَةٌ “. وَ“ الْإِحْرَامُ “، هُوَ الدُّخُولُ فِيهِ، يُقَالُ: “ أَحْرَمَ الْقَوْمُ “، إِذَا دَخَلُوا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، أَوْ فِي الْحَرَمِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ مُحْرِمُونَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. وَقَوْلُهُ: “ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا “، فَإِنَّ هَذَا إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ حُكْمَ الْقَاتِلِ مِنَ الْمُحْرِمِينَ الصَّيْدَ الَّذِي نَهَاهُ عَنْ قَتْلِهِ مُتَعَمِّدًا. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيصِفَةِ “ الْعَمْدِ “ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ بِهِ الْكَفَّارَةَ وَالْجَزَاءَ فِي قَتْلِهِ الصَّيْدَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْعَمْدُ لِقَتْلِ الصَّيْدِ، مَعَ نِسْيَانِ قَاتِلِهِ إِحْرَامَهُ فِي حَالِ قَتْلِهِ. وَقَالَ: إِنْ قَتَلَهُ وَهُوَ ذَاكِرٌ إِحْرَامَهَ مُتَعَمِّدًا قَتْلَهُ، فَلَا حُكْمَ عَلَيْهِ، وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ. قَالُوا: وَهَذَا أَجَلُّ أَمْرًا مِنْ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونَ لَهُ كَفَّارَةً.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “ {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} “، مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ، مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ، فَذَلِكَ الَّذِي يُحْكَمُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ قَتَلَهُ ذَاكِرًا لِحُرْمِهِ، مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ، لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَابْنُ حُمَيْدٍ قَالَا حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِيالَّذِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ مُتَعَمِّدًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ، وَيَتَعَمَّدُ قَتْلَهُ، قَالَ: لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ، وَلَا حَجَّ لَهُ. وَقَوْلُهُ: “ {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} “، قَالَ: هُوَ الْعَمْدُ الْمُكَفَّرُ، وَفِيهِ الْكَفَّارَةُ وَالْخَطَأُ، أَنْ يُصِيبَهُ وَهُوَ نَاسٍ لِإِحْرَامِهِ، مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ أَوْ يُصِيبَهُ وَهُوَ يُرِيدُ غَيْرَهُ. فَذَلِكَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ مَرَّةً. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: “ لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا “، غَيْرَ نَاسٍ لِحُرْمِهِ وَلَا مُرِيدٍ غَيْرَهُ، فَقَدْ حَلَّ، وَلَيْسَتْ لَهُ رُخْصَةٌ. وَمَنْ قَتَلَهُ نَاسِيًا، أَوْ أَرَادَ غَيْرَهُ فَأَخْطَأَ بِهِ، فَذَلِكَ الْعَمْدُ الْمُكَفَّرُ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: “ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا “، قَالَ: مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ، نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْعَمْدُ هُوَ الْخَطَأُ الْمُكَفَّرُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ قَالَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: قَوْلُ اللَّهِ: “ {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} “، قَالَ: فَالْعَمْدُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَنْ يُصِيبَ الصَّيْدَ وَهُوَ يُرِيدُ غَيْرَهُ فَيُصِيبَهُ، فَهَذَا الْعَمْدُ الْمُكَفَّرُ، فَأَمَّا الَّذِي يُصِيبُهُ غَيْرَ نَاسٍ وَلَا مُرِيدٍ لِغَيْرِهِ، فَهَذَا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ. هَذَا أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْهَيْثَمِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: “ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا “، قَالَ: يَقْتُلُهُ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ، نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْهَيْثَمِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ “ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا “، غَيْرَ نَاسٍ لِحُرْمِهِ وَلَا مُرِيدٍ غَيْرَهُ، فَقَدْ حَلَّ، وَلَيْسَتْ لَهُ رُخْصَةٌ. وَمَنْ قَتَلَهُ نَاسِيًا لِحَرَمِهِ، أَوْ أَرَادَ غَيْرَهُ فَأَخْطَأَ بِهِ، فَذَلِكَ الْعَمْدُ الْمُكَفَّرُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ: “ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا “، لِلصَّيْدِ، نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ “ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ “، مُتَعَمِّدًا لِلصَّيْدِ يَذْكُرُ إِحْرَامَهُ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يُفْتِي فِيمَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ مُتَعَمِّدًا ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ: لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ قَالَ إِسْمَاعِيلُ: وَقَالَ حَمَّادُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَمَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ أَنْ أَسْأَلُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: “ {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} “، الْآيَةَ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ: هُوَ بِالْخِيَارِ، أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ، إِنْ شَاءَ أَهْدَى، وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ. فَأَخْبَرْتُ بِهِ جَعْفَرًا وَقُلْتُ: مَا سَمِعْتَ فِيهِ؟ فَتَلَكَّأَ سَاعَةً، ثُمَّ جَعَلَ يَضْحَكُ وَلَا يُخْبِرُنِي، ثُمَّ قَالَ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَقُولُ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ مِنَ النَّعَمِ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الطَّعَامُ وَالصِّيَامُ [كَفَّارَةً]، فَهَذَا لَا يَبْلُغُ ثَمَنَ الْهَدْيِ، وَالصِّيَامُ فِيهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إِلَى عَشْرَةٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ، أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ، أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: “ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا “، غَيْرَ نَاسٍ لِحُرْمِهِ، وَلَا مُرِيدٍ غَيْرَهُ، فَقَدْ حَلَّ، وَلَيْسَتْ لَهُ رُخْصَةٌ. وَمَنْ قَتَلَهُ نَاسِيًا، أَوْ أَرَادَ غَيْرَهُ فَأَخْطَأَ بِهِ، فَذَلِكَ الْعَمْدُ الْمُكَفَّرُ. حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَمَّا الَّذِي يَتَعَمَّدُ فِيهِ لِلصَّيْدِ وَهُوَ نَاسٍ لِحُرْمِهِ، أَوْ جَاهِلٌ أَنَّ قَتْلَهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَحْكُمُ عَلَيْهِمْ. فَأَمَّا مِنْ قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا بَعْدَ نَهْيِ اللَّهِ، وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّهُ مُحْرِمٌ، وَأَنَّهُ حَرَامٌ، فَذَلِكَ يُوكَلُ إِلَى نِقْمَةِ اللَّهِ، وَذَلِكَ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ النِّقْمَةَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: “ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا “، قَالَ: مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ، نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ هُوَ الْعَمْدُ مِنَ الْمُحْرِمِ لِقَتْلِ الصَّيْدِ، ذَاكِرًا لِحُرْمِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ، ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ طَاوُسٌ: وَاللَّهِ مَا قَالَ اللَّهُ إِلَّا “ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا “. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِالْعَمْدِ، وَجَرَتْ السَّنَةُ فِي الْخَطَأِ يَعْنِي: فِي الْمُحْرِمِ يُصِيبُ الصَّيْدَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: “ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ “، قَالَ: إِنَّ قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا أَوْ نَاسِيًا، حُكِمَ عَلَيْهِ. وَإِنَّ عَادَ مُتَعَمِّدًا عُجِّلَتْ لَهُ الْعُقُوبَةُ، إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَتِ الْكَفَّارَةُ فِي الْعَمْدِ، وَلَكِنْ غُلِّظَ عَلَيْهِمْ فِي الْخَطَأِ كَيْ يَتَّقُوا. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ قَالَا حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرِّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ، أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ، خَبَّرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: كَانَ طَاوُسٌ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا قَالَ اللَّهُ إِلَّا “ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا “. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ حَرَّمَ قَتْلَ صَيْدِ الْبَرِّ عَلَى كُلِّ مُحْرِمٍ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ مَا دَامَ حَرَامًا بِقَوْلِهِ: “ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ} “ ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَ مَنْ قَتَلَ مَا قَتَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ، وَلَمْ يُخَصَّصْ بِهِ الْمُتَعَمِّدَ قَتَلَهُ فِي حَالِ نِسْيَانِهِ إِحْرَامَهُ، وَلَا الْمُخْطِئَ فِي قَتْلِهِ فِي حَالِ ذَكَرِهِ إِحْرَامَهُ، بَلْ عَمَّ فِي التَّنْزِيلِ بِإِيجَابِ الْجَزَاءِ، كُلَّ قَاتِلِ صَيْدٍ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ مُتَعَمِّدًا. وَغَيْرُ جَائِزٍ إِحَالَةُ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ إِلَى بَاطِنٍ مِنَ التَّأْوِيلِ لَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ مِنْ نَصِّ كِتَابٍ، وَلَا خَبَرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا إِجْمَاعَ مِنَ الْأُمَّةِ. وَلَا دَلَالَةَ مِنْ بَعْضِ هَذِهِ الْوُجُوهِ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَسَوَاءً كَانَ قَاتِلُ الصَّيْدِ مِنَ الْمُحْرِمِينَ عَامِدًا قَتْلَهُ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ، أَوْ عَامِدًا قَتْلَهُ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ، أَوْ قَاصِدًا غَيْرَهُ فَقَتَلَهُ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ فِي أَنَّ عَلَى جَمِيعِهِمْ مِنَ الْجَزَاءِ مَا قَالَ رَبُّنَا تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَهُوَ: مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ، أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا. وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمَا، دُونَ الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَأَمَّا مَا يَلْزَمُ بِالْخَطَأِ قَاتِلَهُ، فَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْلَ فِيهِ فِي كِتَابِنَا: كِتَابٌ لَطِيفُ الْقَوْلِ فِي أَحْكَامِ الشَّرَائِعِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَلَيْسَ هَذَا الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ ذِكْرِهِ، لِأَنَّ قَصْدَنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ الْإِبَانَةُ عَنْ تَأْوِيلِ التَّنْزِيلِ، وَلَيْسَ فِي التَّنْزِيلِ لِلْخَطَإِ ذِكْرٌ، فَنَذْكُرُ أَحْكَامَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: “ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ “، فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَعَلَيْهِ كِفَاءٌ وَبَدَلٌ، يَعْنِي بِذَلِكَ: جَزَاءُ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَعَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ جَزَاءُ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ، مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ. وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: {فَجَزَاؤُهُ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}. وَقَدْ اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: {فَجَزَاءُ مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}، بِإِضَافَةِ “ الْجَزَاءِ “ إِلَى “ الْمِثْلِ “ وَخَفْضِ “ الْمِثْلِ “. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْكُوفِيِّينَ: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ) بِتَنْوِينِ “ الْجَزَاءِ “ وَرَفْعِ “ الْمِثْلِ “، بِتَأْوِيلِ: فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ) بِتَنْوِينِ “ الْجَزَاءِ “ وَرَفْعِ “ الْمِثْلِ “، لِأَنَّ الْجَزَاءَ هُوَ الْمِثْلُ، فَلَا وَجْهَ لِإِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ. وَأَحْسَبُ أَنَّ الَّذِينَ قَرَأُوا ذَلِكَ بِالْإِضَافَةِ، رَأَوْا أَنَّالْوَاجِبَ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِأَنْ يَجْزِيَ مِثْلَهُ مِنَ الصَّيْدِ بِمِثْلٍ مِنَ النَّعَمِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ كَاَلَّذِي ذَهَبُوا إِلَيْهِ، بَلْ الْوَاجِبُ عَلَى قَاتِلِهِ أَنْ يَجْزِيَ الْمَقْتُولَ نَظِيرَهُ مِنَ النَّعَمِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالْمِثْلُ هُوَ الْجَزَاءُ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ، وَلَنْ يُضَافَ الشَّيْءُ إِلَى نَفْسِهِ. وَلِذَلِكَ لَمْ يَقْرَأْ ذَلِكَ قَارِئٌ عَلِمْنَاهُ، بِالتَّنْوِينِ وَنَصْبِ “ الْمَثَلِ “. وَلَوْ كَانَ “ الْمَثَلُ “ غَيْرَ “ الْجَزَاءِ “ لَجَازَ فِي الْمَثَلِ النَّصْبُ إِذَا نُوِّنَ “ الْجَزَاءُ “، كَمَا نُصِبَ “ الْيَتِيمُ “ إِذْ كَانَ غَيْرَ “ الْإِطْعَامِ “ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [سُورَةُ الْبَلَدِ: 14، ] وَكَمَا نُصِبَ “ الْأَمْوَاتُ “ “ وَالْأَحْيَاءُ “، وَنُوِّنَ “ الْكِفَاتُ “ فِي قَوْلِهِ: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [سُورَةُ الْمُرْسَلَاتِ: 25، ]، إِذْ كَانَ “ الْكِفَاتُ “ غَيْرَ “ الْأَحْيَاءِ “ “ وَالْأَمْوَاتِ “. وَكَذَلِكَ الْجَزَاءُ لَوْ كَانَ غَيْرَ “ الْمِثْلِ “، لَاتَّسَعَتِ الْقِرَاءَةُ فِي “ الْمِثْلِ “ بِالنَّصْبِ إِذَا نُوِّنَ “ الْجَزَاءُ “. وَلَكِنَّ ذَلِكَ ضَاقَ، فَلَمْ يَقْرَأْهُ أَحَدٌ بِتَنْوِينِ “ الْجَزَاءِ “ وَنَصْبِ “ الْمِثْلِ “، إِذْ كَانَ “ الْمِثْلُ “ هُوَ “ الْجَزَاءُ “، وَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ هُوَ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي صِفَةِ “ الْجَزَاءِ “، وَكَيْفَ يَجْزِي قَاتِلُ الصَّيْدِ مِنَ الْمُحْرِمِينَ مَا قَتَلَ بِمِثْلِهِ مِنَ النَّعَمِ.. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْظُرُ إِلَى أَشْبَهِ الْأَشْيَاءِ بِهِ شَبَهًا مِنَ النَّعَمِ، فَيَجْزِيهِ بِهِ، وَيَهْدِيهِ إِلَى الْكَعْبَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلُهُ: “ {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} “، قَالَ: أَمَّا “ جَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ “ فَإِنْ قَتَلَ نَعَامَةً أَوْ حِمَارًا فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ. وَإِنْ قَتَلَ بَقَرَةً أَوْ أَيِّلًا أَوْ أَرْوًى فَعَلَيْهِ بَقَرَةٌ. أَوْ قَتَلَ غَزَالًا أَوْ أَرْنَبًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ. وَإِنْ قَتَلَ ضَبًّا أَوْ حِرْبَاءَ أَوْ يَرْبُوعًا، فَعَلَيْهِ سَخْلَةٌ قَدْ أَكَلَتِ الْعُشْبَ وَشَرِبَتِ اللَّبَنَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ قَالَ، سُئِلَ عَطَاءٌ: أَيَغْرَمُ فِي صَغِيرِ الصَّيْدِ كَمَا يَغْرَمُ فِي كَبِيرِهِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: “ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ “؟ حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: “ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ “، قَالَ: عَلَيْهِ مِنَ النَّعَمِ مِثْلُهُ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: “ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ “، قَالَ: إِذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ، وَجَبَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مِنَ النَّعَمِ. فَإِنْ وَجَدَ جَزَاءَهُ ذَبَحَهُ فَتَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ جَزَاءَهُ قَوَّمَ الْجَزَاءَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ قَوَّمَ الدَّرَاهِمَ حِنْطَةً، ثُمَّ صَامَ مَكَانَ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا. قَالَ: وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِالطَّعَامِ الصَّوْمُ، فَإِذَا وَجَدَ طَعَامًا وَجَدَ جَزَاءً. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَابْنُ حُمَيْدٍ قَالَا حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا “، قَالَ: إِذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ، حُكِمَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مِنَ النَّعَمِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، نُظِرَ كَمْ ثَمَنُهُ قَالَ ابْنُ حُمَيْدٍ: نُظِرَ كَمْ قَيْمَتُهُ فَقَوَّمَ عَلَيْهِ ثَمَنَهُ طَعَامًا، فَصَامَ مَكَانَ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا “ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ، أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا “، قَالَ: إِنَّمَا أُرِيدَ بِالطَّعَامِ الصِّيَامَ، فَإِذَا وَجَدَ الطَّعَامَ وَجَدَ جَزَاءَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ “ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، قُوِّمَ الْهَدْيُ عَلَيْهِ طَعَامًا، وَصَامَ عَنْ كُلِّ صَاعٍ يَوْمَيْنِ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: “ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ “، قَالَ: إِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ حُكِمَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قَوَّمَ عَلَيْهِ ثَمَنَهُ طَعَامًا، ثُمَّ صَامَ لِكُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَيَعْقُوبُ قَالَا حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: ابْتَدَرْتُ وَصَاحِبٌ لِي ظَبْيًا فِي الْعَقَبَةِ، فَأَصَبْتُهُ، فَأَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ، فَنَظَرَا فِي ذَلِكَ قَالَ فَقَالَ: اذْبَحْ كَبْشًا. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي قَبِيصَةُ بْنُ جَابِرٍ، نَحْوًا مِمَّا حَدَّثَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: قَتَلَ صَاحِبٌ لِي ظَبْيًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَذْبَحَ شَاةً فَيَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا وَيُسْقِي إِهَابَهَا. حَدَّثَنِي هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَتَلَ رَجُلٌ مِنَ الْأَعْرَابِ وَهُوَ مُحْرِمٌ ظَبْيًا، فَسَأَلَ عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَهْدِ شَاةً. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ حُصَيْنٍ وَحَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ، قَالَ قَبِيصَةُ بْنُ جَابِرٍ: أَصَبْتُ ظَبْيًا وَأَنَا مُحْرِمٌ، فَأَتَيْتُ عُمَرَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ أَمْرَهُ أَهْوَنُ مِنْ ذَلِكَ! قَالَ: فَضَرَبَنِي بِالدِّرَّةِ حَتَّى سَابِقْتُهُ عَدْوًا! قَالَ: ثُمَّ قَالَ: قَتَلْتَ الصَّيْدَ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ، ثُمَّ تَغْمِصُ الْفُتْيَا! قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَحَكَمَا شَاةً. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ “، قَالَ: إِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ شَيْئًا مِنَ الصَّيْدِ حُكِمَ عَلَيْهِ فِيهِ. فَإِنْ قَتَلَ ظَبْيًا أَوْ نَحْوَهُ، فَعَلَيْهِ شَاةٌ تُذْبَحُ بِمَكَّةَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَإِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. فَإِنْ قَتَلَ أَيِّلًا أَوْ نَحْوَهُ، فَعَلَيْهِ بَقَرَةٌ. وَإِنْ قَتَلَ نَعَامَةً أَوْ حِمَارَ وَحْشٍ أَوْ نَحْوَهُ، فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ مِنَ الْإِبِلِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُ صَيْدًا فَإِذَا هُوَ أَعْوَرُ، أَوْ أَعْرَجُ، أَوْ مَنْقُوصٌ، أُغْرَمُ مِثْلَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنْ شِئْتَ. قُلْتُ: أَوْفَى أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ عَطَاءٌ: وَإِنْ قَتَلْتَ وَلَدَ الظَّبْيِ، فَفِيهِ وَلَدُ شَاةٍ. وَإِنْ قَتَلْتَ وَلَدَ بَقَرَةٍ وَحْشِيَّةٍ، فَفِيهِ وَلَدُ بَقَرَةٍ إِنْسِيَّةٍ مِثْلُهُ، فَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ يَقُولُ: “ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ “ مَا كَانَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ مِمَّا لَيْسَ لَهُ قَرْنُ الْحِمَارِ أَوَ النَّعَامَةِ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ مِنَ الْإِبِلِ. وَمَا كَانَ ذَا قَرْنٍ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ مِنْ وَعِلٍ أَوْ أَيِّلٍ، فَجَزَاؤُهُ مِنَ الْبَقَرِ. وَمَا كَانَ مِنْ ظَبْيٍ فَمِنَ الْغَنَمِ مِثْلُهُ. وَمَا كَانَ مِنْ أَرْنَبٍ، فَفِيهَا ثَنِيَّةٌ. وَمَا كَانَ مِنْ يَرْبُوعٍ وَشِبْهِهِ، فَفِيهِ حَمَلٌ صَغِيرٌ. وَمَا كَانَ مِنْ جَرَادَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، فَفِيهِ قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ. وَمَا كَانَ مِنْ طَيْرِ الْبَرِّ، فَفِيهِ أَنْ يُقَوَّمَ وَيَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ لِكُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا. وَإِنْ أَصَابَ فَرْخَ طَيْرٍ بَرِّيَّةٍ أَوْ بَيْضِهَا، فَالْقِيمَةُ فِيهَا طَعَامٌ أَوْ صَوْمٌ عَلَى الَّذِي يَكُونُ فِي الطَّيْرِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي بَيْضِ النَّعَامِ إِذَا أَصَابَهَا الْمُحْرِمُ، أَنْ يَحْمِلَ الْفَحْلَ عَلَى عِدَّةِ مَنْ أَصَابَ مِنَ الْبَيْضِ عَلَى بِكَارَةِ الْإِبِلِ، فَمَا لَقِحَ مِنْهَا أَهْدَاهُ إِلَى الْبَيْتِ، وَمَا فَسَدَ مِنْهَا فَلَا شَيْءَ فِيهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ قَالَ، أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَنْ قَتَلَهُ- يَعْنِي الصَّيْدَ- نَاسِيًا، أَوْ أَرَادَ غَيْرَهُ فَأَخْطَأَ بِهِ، فَذَلِكَ الْعَمْدُ الْمُكَفَّرُ، فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، ابْتَاعَ بِثَمَنِهِ طَعَامًا. فَإِنْ لَمْ يُجْدِ، صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَقَالَ عَطَاءٌ: فَإِنْ أَصَابَ إِنْسَانٌ نَعَامَةً، كَانَ لَهُ- إِنْ كَانَ ذَا يَسَارٍ مُوَسَّعًا- إِنْ شَاءَ يَهْدِي جَزُورًا أَوْ عَدْلَهَا طَعَامًا أَوْ عَدْلَهَا صِيَامًا، أَيَّتُهُنَّ شَاءَ، مِنْ أَجْلِ قَوْلِهِ: فَجَزَاءٌ، أَوْ كَذَا أَوْ كَذَا قَالَ: فَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ: “ أَوْ “ “ أَوْ “، فَلْيَخْتَرْ مِنْهُ صَاحِبُهُ مَا شَاءَ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ، أَخْبَرَنَا نَافِعٌ قَالَ، أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: مَنْ أَصَابَ مِنَ الصَّيْدِ مَا يَبْلُغُ أَنْ يَكُونَ شَاةً فَصَاعِدًا، فَذَلِكَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: “ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ “. وَأَمَّا “ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ “، فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَبْلُغُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ هَدْيٌ، الْعُصْفُورَ يَقْتِلُ، فَلَا يَكُونُ فِيهِ. قَالَ: “ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا “، عَدْلُ النَّعَامَةِ، أَوْ عَدْلُ الْعُصْفُورِ، أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ يُقَوَّمُ الصَّيْدُ الْمَقْتُولُ قِيمَتَهُ مِنَ الدَّرَاهِمِ، ثُمَّ يَشْتَرِي الْقَاتِلُ بِقِيمَتِهِ نِدًّا مِنَ النَّعَمِ، ثُمَّ يَهْدِيهِ إِلَى الْكَعْبَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: مَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ مِنْ شَيْءٍ، حَكَمَ فِيهِ قِيمَتَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَمَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ ثَمَنُهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ، مَا قَالَ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمِنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا: أَنَّ الْمَقْتُولَ مِنَ الصَّيْدِ يُجْزَى بِمِثْلِهِ مِنَ النَّعَمِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: “ {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} “. وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ الَّذِي قَتَلَ مِنَ الصَّيْدِ دَرَاهِمَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: “ مِنَ النَّعَمِ “، لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَيْسَتْ مِنَ النَّعَمِ فِي شَيْءٍ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِثْلًا لِلْمَقْتُولِ مِنَ الصَّيْدِ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَى بِهَا الْمِثْلُ مِنَ النَّعَمِ، فَيَهْدِيهِ الْقَاتِلُ، فَيَكُونُ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ جَازِيًا بِمَا قَتَلَ مِنَ الصَّيْدِ مِثْلًا مِنَ النَّعَمِ! قِيلَ لَهُ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مِنَ الصَّيْدِ صَغِيرًا [أَوْ مَعِيبًا، وَلَا يُصَابُ بِقِيمَتِهِ مِنَ النَّعَمِ إِلَّا] كَبِيرًا أَوْ سَلِيمًا أَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ مِنَ الصَّيْدِ كَبِيرًا أَوْ سَلِيمًا بِقِيمَتِهِ مِنَ النَّعَمِ إِلَّا صَغِيرًا أَوْ مَعِيبًا أَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهِ خِلَافَهُ وَخِلَافَ صِفَتِهِ فَيَهْدِيهِ، أَمْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَهُ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ إِلَّا خِلَافُهُ؟ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهِ إِلَّا مِثْلَهُ، تَرَكَ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ. لِأَنَّ أَهْلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِقِيمَةِ ذَلِكَ فَيَهْدِيهِ، إِلَّا مَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا. وَإِذَا أَجَازَ شِرَاءَ مِثْلَ الْمَقْتُولِ مِنَ الصَّيْدِ بِقِيمَتِهِ وَإِهْدَاءَهَا وَقَدْ يَكُونُ الْمَقْتُولُ صَغِيرًا مَعِيبًا، أَجَازَ فِي الْهَدْيِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ. وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهِ فَيَهْدِيهِ إِلَّا مَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا أَوْضَحَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ الْخِلَافَ لِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ، أَوْجَبَ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ مِنَ الْمُحْرِمِينَ عَمْدًا، الْمِثْلَ مِنَ النَّعَمِ إِذَا وَجَدَهُ. وَقَدْ زَعَمَ قَائِلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمِثْلُ مِنَ النَّعَمِ، وَهُوَ إِلَى ذَلِكَ وَاجِدٌ سَبِيلًا. وَيُقَالُ لِقَائِلِ ذَلِكَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَالَ قَائِلٌ آخَرُ: “ مَا عَلَى قَاتِلِ مَا لَا تَبْلُغُ مِنَ الصَّيْدِ قِيمَتُهُ مَا يُصَابُ بِهِ مِنَ النَّعَمِ مَا يَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ مِنْ إِطْعَامٍ وَلَا صِيَامٍ. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا خَيَّرَ قَاتِلُ الصَّيْدِ مِنَ الْمُحْرِمِينَ فِي أَحَدِ الثَّلَاثَةِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي سَمَّاهَا فِي كِتَابِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ سَبِيلٌ، سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْآخَرَيْنِ. لِأَنَّ الْخِيَارَ إِنَّمَا كَانَ لَهُ، وَلَهُ إِلَى الثَّلَاثَةِ سَبِيلٌ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَى بَعْضِ ذَلِكَ سَبِيلٌ، بَطَلَ فَرْضُ الْجَزَاءِ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ عُنِيَ بِالْآيَةِ نَظِيرَ الَّذِي قُلْتَ أَنْتَ: “ إِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَقْتُولُ مِنَ الصَّيْدِ يَبْلُغُ قِيمَتُهُ مَا يُصَابُ مِنَ النَّعَمِ مِمَّا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا، فَقَدْ سَقَطَ فَرْضُ الْجَزَاءِ بِالْمِثْلِ مِنَ النَّعَمِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِالْإِطْعَامِ أَوْ الصِّيَامِ “، هَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ فَرْقٌ مَنْ أَصْلٍ أَوْ نَظِيرٍ؟ فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا قَوْلًا إِلَّا أَلْزَمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَحْكُمُ بِذَلِكَ الْجَزَاءِ الَّذِي هُوَ مِثْلُ الْمَقْتُولِ مِنَ الصَّيْدِ مِنَ النَّعَمِ عَدْلَانِ مِنْكُمْ يَعْنِي: فَقِيهَانِ عَالِمَانِ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ “ هَدْيًا “، يَقُولُ: يَقْضِي بِالْجَزَاءِ ذَوَا عَدْلٍ، أَيْ يُهْدَى فَيَبْلُغُ الْكَعْبَةَ. وَ“ الْهَاءُ “ فِي قَوْلِهِ: “ وَيَحْكُمُ بِهِ “، عَائِدَةٌ عَلَى “ الْجَزَاءِ “.. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَوَجْهُ حُكْمِ الْعَدْلَيْنِ إِذَا أَرَادَا أَنْ يَحْكُمَا بِمِثْلِ الْمَقْتُولِ مِنَ الصَّيْدِ مِنَ النَّعَمِ عَلَى الْقَاتِلِ: أَنْ يَنْظُرَا إِلَى الْمَقْتُولِ وَيَسْتَوْصِفَاهُ، فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ أَصَابَ ظَبْيًا صَغِيرًا، حَكَمَا عَلَيْهِ مِنْ وَلَدِ الضَّأْنِ بِنَظِيرِ ذَلِكَ الَّذِي قَتَلَهُ فِي السِّنِّ وَالْجِسْمِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ كَبِيرًا، حَكَمَا عَلَيْهِ مِنَ الضَّأْنِ بِكَبِيرٍ. وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ حِمَارَ وَحْشٍ، حَكَمَا عَلَيْهِ بِبَقَرَةٍ. إِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ كَبِيرًا مِنَ الْبَقَرِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَصَغِيرًا. وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ ذَكَرًا فَمِثْلَهُ مِنْ ذُكُورِ الْبَقَرِ. وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَمِثْلَهُ مِنَ الْبَقَرِ أُنْثَى. ثُمَّ كَذَلِكَ ذَلِكَ، يَنْظُرَانِ إِلَى أَشْبَهِ الْأَشْيَاءِ بِالْمَقْتُولِ مِنَ الصَّيْدِ شَبَهًا مِنَ النَّعَمِ، فَيَحْكُمَانِ عَلَيْهِ بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، عَلَى اخْتِلَافٍ فِي ذَلِكَ بَيْنَهُمْ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: كَانَ رَجُلَانِ مِنَ الْأَعْرَابِ مُحْرِمَيْنِ، فَأَحَاشَ أَحَدُهُمَا ظَبْيًا، فَقَتْلَهُ الْآخَرُ. فَأَتَيَا عُمَرَ، وَعِنْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَمَا تَرَى؟ قَالَ: شَاةٌ، قَالَ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ، اذْهَبَا فَأَهْدَيَا شَاةً. فَلَمَّا مَضَيَا قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا دَرَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَا يَقُولُ حَتَّى سَأَلَ صَاحِبَهُ!! فَسَمِعَهَا عُمَرُ، فَرَدَّهُمَا فَقَالَ: هَلْ تَقْرَآنِ سُورَةَ الْمَائِدَةِ؟ فَقَالَا لَا! فَقَرَأَهَا عَلَيْهِمَا: “ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ “، ثُمَّ قَالَ: اسْتَعَنْتُ بِصَاحِبِي هَذَا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَيَعْقُوبُ قَالَا حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: ابْتَدَرْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي ظَبْيًا فِي الْعَقَبَةِ، فَأَصَبْتْهُ، فَأَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَأَقْبَلَ عَلَى رَجُلٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَنَظَرَا فِي ذَلِكَ. قَالَ فَقَالَ: اذْبَحْ كَبْشًا قَالَ يَعْقُوبُ فِي حَدِيثِهِ، فَقَالَ لِي: اذْبَحْ شَاةً فَانْصَرَفْتُ فَأَتَيْتُ صَاحِبِي فَقُلْتُ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ! فَقَالَ صَاحِبِي: انْحَرْ نَاقَتَكَ. فَسَمِعَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ ضَرْبًا بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: تَقْتُلُ الصَّيْدَ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ، وَتَغْمِصُ الْفُتْيَا! إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: “ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ “، هَذَا ابْنُ عَوْفٍ، وَأَنَا عُمَرُ! حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ، أَخْبَرَنِي قَبِيصَةُ بْنُ جَابِرٍ، بِنَحْوِ مَا حَدَّثَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ وَأَبُو هِشَامٍ قَالَا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا حُجَّاجًا فَكُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا الْغَدَاةَ، اقْتَدْنَا رَوَاحِلَنَا نَتَمَاشَى نَتَحَدَّثُ، قَالَ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ ذَاتَ غَدَاةٍ إِذْ سَنَحَ لَنَا ظَبْيٌ أَوْ بَرَحَ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنَّا بِحَجَرٍ، فَمَا أَخْطَأَ خُشَّاءَهُ، فَرَكِبَ رَدْعَهُ مَيِّتًا. قَالَ: فَعَظَّمْنَا عَلَيْهِ. فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ، خَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا عُمَرَ، فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ. قَالَ: وَإِذَا إِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ قُلْبُ فِضَّةٍ يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَالْتَفَتَ إِلَى صَاحِبِهِ فَكَلَّمَهُ. قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ الرَّجُلُ قَالَ: أَعَمْدًا قَتَلْتَهُ أَمْ خَطَأً؟ قَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ تَعَمَّدْتُ رَمْيَهُ، وَمَا أَرَدْتُ قَتْلَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَاكَ إِلَّا قَدْ أَشْرَكْتَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، اعْمِدْ إِلَى شَاةٍ فَاذْبَحْهَا، وَتَصَدَّقْ بِلَحْمِهَا، وَاسْقِِ إِهَابَهَا. قَالَ: فَقُمْنَا مِنْ عِنْدِهِ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا الرَّجُلُ، عَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ! فَمَا دَرَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَا يُفْتِيكَ حَتَّى سَأَلَ صَاحِبَهُ! اعْمِدْ إِلَى نَاقَتِكَ فَانْحَرْهَا، فَفَعَلَ ذَاكَ! قَالَ قَبِيصَةُ: وَلَا أَذْكُرُ الْآيَةَ مِنْ “ سُورَةِ الْمَائِدَةِ “: “ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ “ قَالَ: فَبَلَغَ عُمَرَ مَقَالَتِي، فَلَمْ يُفَجِأْنَا إِلَّا وَمَعَهُ الدِّرَّةُ! قَالَ: فِعْلًا صَاحِبِي ضَرْبًا بِالدُّرَّةِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: أَقَتَلْتُ فِي الْحَرَمِ وَسَفَّهْتَ الْحُكْمَ! قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَا أَحِلَّ لَكَ الْيَوْمَ شَيْئًا يَحْرُمُ عَلَيْكَ مِنِّي! قَالَ: يَا قَبِيصَةُ بْنُ جَابِرٍ، إِنِّي أَرَاكَ شَابَّ السِّنِّ، فَسِيحَ الصَّدْرِ بَيِّنَ اللِّسَانِ، وَإِنَّ الشَّابَّ يَكُونُ فِيهِ تِسْعَةُ أَخْلَاقٍ حَسَنَةٍ وَخُلُقٌ سَيْئٌ، فَيُفْسِدُ الْخُلُقُ السَّيْئُ الْأَخْلَاقَ الْحَسَنَةَ، فَإِيَّاكَ وَعَثَرَاتِ الشَّبَابِ! حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُخَارَقٍ، عَنْ طَارِقٍ قَالَ: أَوْطَأَ أَرْبَدُ ضَبًّا فَقَتْلَهُ- وَهُوَ مُحْرِمٌ. فَأَتَى عُمَرَ لِيَحْكُمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: احْكُمْ مَعِي! فَحَكَمَا فِيهِ جَدْيًا قَدْ جَمَعَ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: “ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ “. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ صَيْدًا، فَأَتَى ابْنَ عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَعِنْدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِابْنِ صَفْوَانَ: إِمَّا أَنْ أَقُولَ فَتُصَدِّقُنِي، وَإِمَّا أَنْ تَقُولَ فَأُصَدِّقُكَ. فَقَالَ ابْنُ صَفْوَانَ: بَلْ أَنْتَ فَقُلْ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ شُرَيْحٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَوْ وَجَدْتُ حُكْمًا عَدْلًا لَحَكَمْتُ فِي الثَّعْلَبِ جَدْيًا، وَجَدْيٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الثَّعْلَبِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ صَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَعِنْدَهُ ابْنُ صَفْوَانَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: إِمَّا أَنْ تَقُولَ فَأُصَدِّقُكَ، أَوْ أَقُولُ فَتُصَدِّقُنِي. قَالَ: قُلْ وَأُصَدِّقُكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي ابْنُ جَرِيرٍ الْبَجَلِيُّ قَالَ: أَصَبْتُ ظَبْيًا وَأَنَا مُحْرِمٌ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَقَالَ: ائْتِ رَجُلَيْنِ مِنْ إِخْوَانِكِ فَلْيَحْكُمَا عَلَيْكَ. فَأَتَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَسَعْدًا، فَحَكَمَا عَلَيَّ تَيْسًا أَعْفَرَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: “ الْأَعْفَرُ “: الْأَبْيَضُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ قَالَ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ عَلَى نَاقَةٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَأَبْصَرَ ظَبْيًا يَأْوِي إِلَى أَكَمَةٍ، فَقَالَ: لِأَنْظُرُنَّ أَنَا أَسْبِقُ إِلَى هَذِهِ الْأَكَمَةِ أَمْ هَذَا الظَّبْيُ؟ فَوَقَعَتْ عَنْزٌ مِنَ الظِّبَاءِ تَحْتَ قَوَائِمِ نَاقَتِهِ فَقَتَلْتُهَا، فَأَتَى عُمَرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَحَكَمَ عَلَيْهِ هُوَ وَابْنُ عَوْفٍ عَنْزًا عَفْرَاءَ قَالَ: وَهِيَ الْبَيْضَاءُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّ رَجُلًا أَوَطَأَ ظَبْيًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَأَتَى عُمَرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِلَى جَنْبِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَأَقْبَلَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَكَلَّمَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الرَّجُلِ فَقَالَ: أَهْدِ عَنْزًا عَفْرَاءَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ مِنْ شَيْءٍ لَمْ تَمْضِ فِيهِ حُكُومَةٌ، اسْتُقْبِلَ بِهِ، فَيَحْكُمُ فِيهِ ذَوَا عَدْلٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَبَشِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، عَنْ رَجُلٍ أَصَابَ وَلَدَ أَرْنَبٍ، فَقَالَ: فِيهِ وَلَدُ مَاعِزٍ، فِيمَا أَرَى أَنَا. ثُمَّ قَالَ لِي: أَكَذَاكَ؟ فَقُلْتُ: أَنْتَ أَعْلَمُ مِنِّي. فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: “ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ “. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ بَكْرٍ: أَنَّ رَجُلَيْنِ أَبْصَرَا ظَبْيًا وَهُمَا مُحْرِمَانِ، فَتَرَاهَنَا، وَخَطَرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ. فَسَبَقَ إِلَيْهِ أَحَدُهُمَا، فَرَمَاهُ بِعَصَاهُ فَقَتَلَهُ. فَلَمَّا قَدِمَا مَكَّةَ، أَتَيَا عُمَرَ يَخْتَصِمَانِ إِلَيْهِ، وَعِنْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا قِمَارٌ، وَلَا أُجِيزُهُ! ثُمَّ نَظَرَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: مَا تَرَى! قَالَ: شَاةٌ. فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ. فَلَمَّا قَفَّى الرَّجُلَانِ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ، قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا دَرَى عُمَرُ مَا يَقُولُ حَتَّى سَأَلَ الرَّجُلُ! فَرَدَّهُمَا عُمَرُ فَقَالَ: إِنِ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يَرْضَ بِعُمَرَ وَحْدَهُ، فَقَالَ: “ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ “، وَأَنَا عُمَرُ، وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ يَنْظُرُ الْعَدْلَانِ إِلَى الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ، فَيُقَوِّمَانِهِ قِيمَتَهُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ يَأْمُرَانِ الْقَاتِلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِذَلِكَ مِنَ النَّعَمِ هَدْيًا. فَالْحَاكِمَانِ يَحْكُمَانِ فِي قَوْلِ هَؤُلَاءِ، بِالْقِيمَةِ. وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِمَا لِتَقْوِيمِ الصَّيْدِ قِيمَتَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهُ فِيهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَا مَضَى قَبْلُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: “ مَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ مِنْ شَيْءٍ، حُكِمَ فِيهِ قِيمَتَهُ “، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ مُتَفَقِّهَةِ الْكُوفِيِّينَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: “ هَدْيًا “ فَإِنَّهُ مُصَدَّرٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ “ الْهَاءِ “ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: “ يَحْكُمُ بِهِ “. وَقَوْلُهُ: “ بَالِغَ الْكَعْبَةِ “ مِنْ نَعْتِ “ الْهَدْيِ “ وَصِفَتِهُ. وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُنْعَتَ بِهِ، وَهُوَ مُضَافٌ إِلَى مَعْرِفَةٍ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّكِرَةِ. وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: “ بَالِغَ الْكَعْبَةِ “، يَبْلُغُ الْكَعْبَةَ. فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُضَافًا فَمَعْنَاهُ التَّنْوِينُ، لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [سُورَةُ الْأَحْقَافِ: 24]، فَوَصَفَ بِقَوْلِهِ: “ مُمْطِرُنَا “ “ عَارِضًا “، لِأَنَّ فِي “ مُمْطِرُنَا “ مَعْنَى التَّنْوِينِ، لِأَنَّ تَأْوِيلَهُ الِاسْتِقْبَالُ، فَمَعْنَاهُ: هَذَا عَارَضٌ يُمْطِرُنَا. فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: “ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ “.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ وَ“ الْكَفَّارَةُ “ مَعْطُوفَةٌ عَلَى “ الْجَزَاءِ “ فِي قَوْلِهِ: “ {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} “. وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ: فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: {أَوْ كَفَّارَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ} بِالْإِضَافَةِ. وَأَمَّا قَرَأَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَإِنَّ عَامَّتَهُمْ قَرَءُوا ذَلِكَ بِتَنْوِينِ “ الْكَفَّارَةِ “ وَرَفْعِ “ الطَّعَامِ “: أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِتَنْوِينِ “ الْكَفَّارَةِ “ وَرَفْعِ “ الطَّعَامِ “، لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي قَوْلِهِ: “ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ “.. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: “ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ “. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْقَاتِلَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَيْدًا عَمْدًا، لَا يَخْلُو مِنْ وُجُوبِ بَعْضِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مِنْ مِثْلِ الْمَقْتُولِ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ، أَوْ طَعَامُ مَسَاكِينَ كَفَّارَةً لِمَا فَعَلَ، أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا إِلَّا أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي أَيِّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ، وَأَنَّهُ بِأَيِّهَا كَانَ كَفَّرَ فَقَدْ أَدَّى الْوَاجِبَ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عِبَادَهُ أَنَّ قَاتِلَ ذَلِكَ كَمَا وَصَفَ لَنْ يَخْرُجَ حُكْمُهُ مِنْ إِحْدَى الْخِلَالِ الثَّلَاثَةِ. قَالُوا: فَحُكْمُهُ إِنْ كَانَ عَلَى الْمِثْلِ قَادِرًا أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِمِثْلِ الْمَقْتُولِ مِنَ النَّعَمِ، لَا يَجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ مَا دَامَ لِلْمِثْلِ وَاجِدًا. قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاجِدًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ مِثْلٌ مِنَ النَّعَمِ، فَكَفَّارَتُهُ حِينَئِذٍ إِطْعَامُ مَسَاكِينَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ “ قَالَ: إِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ شَيْئًا مِنَ الصَّيْدِ، حُكِمَ عَلَيْهِ فِيهِ. فَإِنْ قَتَلَ ظَبْيًا أَوْ نَحْوَهُ، فَعَلَيْهِ شَاةٌ تُذْبَحُ بِمَكَّةَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَإِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَإِنَّ قَتَلَ أَيِّلًا أَوْ نَحْوَهُ، فَعَلَيْهِ بَقَرَةٌ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا، أَطْعَمَ عِشْرِينَ مِسْكِينًا. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، صَامَ عِشْرِينَ يَوْمًا. وَإِنْ قَتَلَ نَعَامَةً أَوْ حِمَارَ وَحْشٍ أَوْ نَحْوَهُ، فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ مِنَ الْإِبِلِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. وَالطَّعَامُ مُدٌّ مُدٌّ شِبَعَهُمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: “ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ "، إِلَى قَوْلِهِ: “ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ “ فَالْكَفَّارَةُ مِنْ قَتْلِ مَا دُونَ الْأَرْنَبِ، إِطْعَامٌ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ، حُكِمَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مِنَ النَّعَمِ. فَإِنْ وَجَدَ جَزَاءَهُ، ذَبْحَهُ فَتَصَدَّقَ بِهِ. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ جَزَاءَهُ، قُوِّمَ الْجَزَاءُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ قُوِّمَتِ الدَّرَاهِمُ حِنْطَةً، ثُمَّ صَامَ مَكَانَ كُلِّ صَاعٍ يَوْمًا. قَالَ: إِنَّمَا أُرِيدَ بِالطَّعَامِ الصَّوْمُ، فَإِذَا وُجِدَ طَعَامًا وُجِدَ جَزَاءً. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَامِرٍ: “ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا “، قَالَ: إِنَّمَا الطَّعَامُ لِمَنْ لَمْ يَجُدِ الْهَدْيُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ شَيْئًا مِنَ الصَّيْدِ، عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مِنَ النَّعَمِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قُوِّمَ الْجَزَاءُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ قُوِّمَتِ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا، ثُمَّ صَامَ لِكُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ حَمَّادٍ قَالَ: إِذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ فَحُكِمَ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ مَا لَا يَتِمُّ نِصْفَ صَاعٍ، صَامَ لَهُ يَوْمًا. وَلَا يَكُونُ الصَّوْمُ إِلَّا عَلَى مَنْ لَمْ يَجِدْ ثَمَنَ هَدْيٍ، فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ الطَّعَامَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ طَعَامٌ يَتَصَدَّقُ بِهِ، حُكِمَ عَلَيْهِ الصَّوْمَ، فَصَامَ مَكَانَ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا “ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ “، قَالَ: فِيمَا لَا يَبْلُغُ ثَمَنَ هَدْيٍ “ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا “، مِنَ الْجَزَاءِ، إِذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَشْتَرِي بِهِ هَدْيًا، أَوْ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ، مِمَّا لَا يَبْلُغُ ثَمَنَ هَدْيٍ، حُكِمَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ مَكَانَ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: “ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ “، قَالَ: عَلَيْهِ مِنَ النَّعَمِ مِثْلُهُ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ. وَمَنْ لَمْ يَجِدْ، ابْتَاعَ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا، فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينِ مُدَّيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، صَامَ عَنْ كُلِّ مُدَّيْنِ يَوْمًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: “ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا “، إِلَى قَوْلِهِ: (وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ)، قَالَ: إِذَا قَتَلَ صَيْدًا، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، حُكِمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ [قُوِّمَ] الْفِدَاءُ، كَمْ هُوَ دِرْهَمًا، ثُمَّ قُدِّرَ ثَمَنُ ذَلِكَ بِالطَّعَامِ عَلَى الْمِسْكِينِ، فَصَامَ عَنْ كُلِّ مِسْكِينِ يَوْمًا، وَلَا يَحَلُّ طَعَامُ الْمِسْكِينِ، لِأَنَّ مَنْ وَجَدَ طَعَامَ الْمِسْكِينِ فَهُوَ يَجِدُّ الْفِدَاءَ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ: مَنْ أَصَابَ الصَّيْدَ فِيمَا جَزَاؤُهُ شَاةٌ، فَذَلِكَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: “ {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} “. وَمَا كَانَ مِنْ كَفَّارَةٍ بِإِطْعَامِ مَسَاكِينَ، مِثْلَ الْعُصْفُورَةِ يَقْتُلُ وَلَا يَبْلُغُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ هَدْيٌ (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا)، قَالَ عَدْلُ النَّعَامَةِ أَوْ الْعُصْفُورِ، أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَطَاءٍ فَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ “ أَوْ “ “ أَوْ “، فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَخْتَارَ مَا شَاءَ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: (لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ)، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ جَزَاءً، قُوِّمَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ طَعَامًا، ثُمَّ صَامَ لِكُلِّ صَاعٍ يَوْمَيْنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّلِلْقَاتِلِ صَيْدًا عَمْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، الْخِيَارُ بَيْنَ إِحْدَى الْكَفَّارَاتِ الثَّلَاثِ، وَهِيَ: الْجَزَاءُ بِمِثْلِهِ مِنَ النَّعَمِ، وَالطَّعَامِ، وَالصَّوْمِ. قَالُوا: وَإِنَّمَا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: “ {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} “، فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْزِيَ بِمِثْلِهِ مِنَ النَّعَمِ، أَوْ يُكَفِّرَ بِإِطْعَامِ مَسَاكِينَ، أَوْ بِعَدْلِ الطَّعَامِ مِنَ الصِّيَامِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا)، قَالَ: إِنْ أَصَابَ إِنْسَانٌ مُحْرِمٌ نَعَامَةً، فَإِنَّ لَهُ وَإِنْ كَانَ ذَا يَسَارٍ أَنْ يَهْدِيَ مَا شَاءَ، جَزُورًا، أَوْ عَدْلَهَا طَعَامًا، أَوْ عَدْلَهَا صِيَامًا. قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ “ أَوْ “ “ أَوْ “، فَلْيَخْتَرْ مِنْهُ صَاحِبُهُ مَا شَاءَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) قَالَ: “ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ: أَوْ كَذَا أَوْ كَذَا “، فَصَاحِبُهُ فِيهِ بِالْخِيَارِ، أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ وَعَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ “ أَوْ “ “ أَوْ “، فَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَارِ. وَمَا كَانَ: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ)، فَاَلَّذِي يَلِيهِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا لَيْثٌ، عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ، أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْلِهِ: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) قَالَا: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ: “ أَوْ كَذَا أَوْ كَذَا “، فَصَاحِبُهُ فِيهِ بِالْخِيَارِ، أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ: “ أَوْ كَذَا أَوْ كَذَا “، فَصَاحِبُهُ فِيهِ بِالْخِيَارِ، أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو حُرَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ وَأَخْبَرَنَا عُبَيْدَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَا: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ “ أَوْ “ “ أَوْ “، فَهُوَ بِالْخِيَارِ، أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ “ أَوْ “ “ أَوْ “ فَصَاحِبُهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ: “ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ “ فَالْأَوَّلُ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ. وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِتَخْيِيرِ قَاتِلِ الصَّيْدِ مِنَ الْمُحْرِمِينَ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ، فِي صِفَةِ اللَّازِمِ لَهُ مِنَ التَّكْفِيرِ بِالْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ، إِذَا اخْتَارَ الْكَفَّارَةَ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْهَدْيِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا اخْتَارَ التَّكْفِيرَ بِذَلِكَ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَوِّمَ الْمِثْلَ مِنَ النَّعَمِ طَعَامًا، ثُمَّ يَصُومُ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَا (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا)؟ قَالَ: إِنْ أَصَابَ مَا عَدْلُهُ شَاةٌ، أُقِيمَتِ الشَّاةُ طَعَامًا، ثُمَّ جَعَلَ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا يَصُومُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ إِذَا أَرَادَ التَّكْفِيرَ بِالْإِطْعَامِ أَوْ الصَّوْمِ، أَنْ يُقَوِّمَ الصَّيْدَ الْمَقْتُولَ طَعَامًا، ثُمَّ الصَّدَقَةَ بِالطَّعَامِ إِنَّ اخْتَارَ الصَّدَقَةَ. وَإِنِ اخْتَارَ الصَّوْمَ صَامَ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الصَّوْمِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَصُومُ لِكُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَقَالَ آخَرُونَ: يَصُومُ مَكَانَ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا. وَقَالَ آخَرُونَ: يَصُومُ مَكَانَ كُلِّ صَاعٍ يَوْمًا. ذِكْرُ مَنْ قَالَ: الْمُقَوَّمُ لِإِطْعَامٍ هُوَ الصَّيْدُ الْمَقْتُولُ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ)، الْآيَةَ، قَالَ: كَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: يَحْكُمَانِ فِي النَّعَمِ، فَإِنْ كَانَ لَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَبْلُغُ ذَلِكَ، نَظَرُوا ثَمَنَهُ فَقَوَّمُوهُ طَعَامًا، ثُمَّ صَامَ مَكَانَ كُلِّ صَاعٍ يَوْمَيْنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا مَعْنَى لِلتَّكْفِيرِ بِالْإِطْعَامِ، لِأَنَّ مَنْ وَجَدَ سَبِيلًا إِلَى التَّكْفِيرِ بِالْإِطْعَامِ، فَهُوَ وَاجِدٌ إِلَى الْجَزَاءِ بِالْمِثْلِ مِنَ النَّعَمِ سَبِيلًا. وَمَنْ وَجَدَ إِلَى الْجَزَاءِ بِالْمِثْلِ مِنَ النَّعَمِ سَبِيلًا لَمْ يَجُزْهُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِهِ. قَالُوا: وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْكَفَّارَةَ بِالْإِطْعَامِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لِيَدُلَّ عَلَى صِفَةِ التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ لَا أَنَّهُ جَعَلَ التَّكْفِيرَ بِالْإِطْعَامِ إِحْدَى الْكَفَّارَاتِ الَّتِي يُكَفَّرُ بِهَا قَتْلُ الصَّيْدِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا تَأْوِيلَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي فِي قَوْلِهِ: “ {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} “، أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ: فَعَلَى قَاتِلِهِ مُتَعَمِّدًا مِثْلُ الَّذِي قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ لَا الْقِيمَةِ، إِنِ اخْتَارَ أَنْ يَجْزِيَهُ بِالْمِثْلِ مِنَ النَّعَمِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْقِيمَةَ إِنَّمَا هِيَ مِنَ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ. وَالدَّرَاهِمُ أَوْ الدَّنَانِيرُ لَيْسَتْ لِلصَّيْدِ بِمِثْلٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّمَا أَوْجَبَ الْجَزَاءَ مِثْلًا مِنَ النَّعَمِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي فِي قَوْلِهِ: “ {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} “ أَنْ يَكُونَ تَخْيِيرًا، وَأَنْ يَكُونَ لِلْقَاتِلِ الْخِيَارُ فِي تَكْفِيرِهِ بِقَتْلِهِ الصَّيْدَ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِأَيِّ هَذِهِ الْكَفَّارَاتِ الثَّلَاثِ شَاءَ. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ، جَعَلَ مَا أَوْجَبَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ مِنَ الْجَزَاءِ وَالْكَفَّارَةِ عُقُوبَةً لِفِعْلِهِ، وَتَكْفِيرًا لِذَنْبِهِ، فِي إِتْلَافِهِ مَا أَتْلَفَ مِنَ الصَّيْدِ الَّذِي كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ إِتْلَافُهُ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ، وَقَدْ كَانَ حَلَّالًا لَهُ قَبْلَ حَالِ إِحْرَامِهِ، كَمَا جَعَلَ الْفِدْيَةَ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فِي حَلْقِ الشَّعْرِ الَّذِي حَلَقَهُ الْمُحْرِمُ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ، وَقَدْ كَانَ لَهُ حَلَالًا قَبْلَ حَالِ إِحْرَامِهِ، [عُقُوبَةً لِفِعْلِهِ، وَتَكْفِيرًا لِذَنْبِهِ] فِي حَلْقِ الشَّعْرِ الَّذِي حَلَقَهُ الْمُحْرِمُ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ وَقَدْ كَانَ لَهُ حَلْقُهُ قَبْلَ حَالِ إِحْرَامِهِ، ثُمَّ مُنِعَ مِنْ حَلْقِهِ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ نَظِيرَ الصَّيْدِ. ثُمَّ جَعَلَ عَلَيْهِ إِنَّ حَلْقَهُ جَزَاءً مِنْ حَلْقِهِ إِيَّاهُ. فَأَجْمَعَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّهُ فِي حَلْقِهِ إِيَّاهُ إِذَا حَلَقَهُ مِنْ أَذَاتِهِ، مُخَيَّرٌ فِي تَكْفِيرِهِ، فَعَلَهُ ذَلِكَ بِأَيِّ الْكَفَّارَاتِ الثَّلَاثَةِ شَاءَ. فَمِثْلُهُ فِيمَا نَالَهُ قَاتِلُ الصَّيْدِ مِنَ الْمُحْرِمِينَ، وَأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي تَكْفِيرِهِ قَتْلَهُ ذَلِكَ بِأَيِّ الْكَفَّارَاتِ الثَّلَاثَةِ شَاءَ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ. وَمَنْ أَبَى مَا قُلْنَا فِيهِ، قِيلَ لَهُ: حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ بِالْمِثْلِ مِنَ النَّعَمِ، أَوْ كَفَّارَةٍ طَعَامِ مَسَاكِينَ، أَوْ عَدْلِهِ صِيَامًا كَمَا حَكَمَ عَلَى الْحَالِقِ بِفِدْيَةٍ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ، فَزَعَمْتَ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُخَيَّرٌ فِي تَكْفِيرِ مَا جُعِلَ مِنْهُ، عِوَضٌ بِأَيِّ الثَّلَاثِ شَاءَ، وَأَنْكَرْتَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِلْآخَرِ، فَهَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَنْ عَكَسَ عَلَيْكَ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ فَجَعَلَ الْخِيَارَ فِيهِ حَيْثُ أَبَيْتَ، وَأَبَى حَيْثُ جَعَلْتَهُ لَهُ، فَرْقٌ مَنْ أَصْلٍ أَوْ نَظِيرٍ؟ فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا قَوْلًا إِلَّا إِذَا أَلْزَمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ التَّقْوِيمِ إِذَا أَرَادَ التَّكْفِيرَ بِالْإِطْعَامِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُقَوَّمُ الصَّيْدُ قِيمَتَهُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهُ فِيهِ. وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَحَمَّادٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ. وَقَدْ ذَكَرْتُ الرِّوَايَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَحَمَّادٍ فِيمَا مَضَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ نَصُّ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ يُقَوَّمُ ذَلِكَ بِسِعْرِ الْأَرْضِ الَّتِي يُكَفِّرُ فِيهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ فِي مَحْرَمٍ أَصَابَ صَيْدًا بِخُرَاسَانَ، قَالَ: يُكَفِّرُ بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى. وَقَالَ: يُقَوَّمُ الطَّعَامُ بِسِعْرِ الْأَرْضِ الَّتِي يُكَفِّرُ بِهَا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو يَمَانٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِي رَجُلٍ أَصَابَ صَيْدًا بِخُرَاسَانَ، قَالَ: يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّ قَاتِلَ الصَّيْدِ إِذَا جَزَاهُ بِمِثْلِهِ مِنَ النَّعَمِ، فَإِنَّمَا يَجْزِيهِ بِنَظِيرِهِ فِي خَلْقِهِ وَقَدْرِهِ فِي جِسْمِهِ، مِنْ أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ بِهِ شَبَهًا مِنَ الْأَنْعَامِ. فَإِنْ جَزَاهُ بِالْإِطْعَامِ، قَوَّمَهُ قِيمَتَهُ بِمَوْضِعِهِ الَّذِي أَصَابَهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ هُنَالِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ بِالْإِطْعَامِ. ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَطْعَمَ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهُ فِيهِ، وَإِنْ شَاءَ بِمَكَّةَ، وَإِنْ شَاءَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ حَيْثُ شَاءَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ; إِنَّمَا شَرَطَ بُلُوغِ الْكَعْبَةِ بِالْهَدْيِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ جَزَائِهِ، فَلِلْجَازِي بِغَيْرِ الْهَدْيِ أَنْ يَجْزِيَهُ بِالْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ حَيْثُ شَاءَ مِنَ الْأَرْضِ. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُرُوبَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: مَا كَانَ مِنْ دَمٍ فَبِمَكَّةَ. وَمَا كَانَ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ صَوْمٍ، حَيْثُ شَاءَ. وَقَدْ خَالَفَ ذَلِكَ مُخَالِفُونَ، فَقَالُوا: لَا يُجْزَئُ الْهَدِيُ وَالْإِطْعَامُ إِلَّا بِمَكَّةَ. فَأَمَّا الصَّوْمُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَفَّرَ فَلَهُ أَنْ يَصُومَهُ حَيْثُ شَاءَ مِنَ الْأَرْضِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الدَّمُ وَالطَّعَامُ بِمَكَّةَ، وَالصِّيَامُ حَيْثُ شَاءَ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَفَّارَةُ الْحَجِّ بِمَكَّةَ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءً: أَيْنَ يُتَصَدَّقُ بِالطَّعَامِ إِنَّ بَدَا لَهُ؟ قَالَ: بِمَكَّةَ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْهَدْيِ، قَالَ: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ 9، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَصَابَهُ فِي حَرَمٍ يُرِيدُ الْبَيْتَ فَجَزَاؤُهُ عِنْدَ الْبَيْتِ. فَأَمَّا الْهَدْيُ، فَإِنَّ مَنْ جَزَى بِهِ مَا قُتِلَ مِنَ الصَّيْدِ، فَلَنْ يُجْزِئَهُ مِنْ كَفَّارَةِ مَا قَتَلَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُبْلِغَهُ الْكَعْبَةَ كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَيَنْحَرَهُ أَوْ يَذْبَحَهُ وَيَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينَ الْحَرَمِ وَعَنَى بِالْكَعْبَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، الْحَرَمَ كُلَّهُ. وَلِمَنْ قَدَّمَ بِهَدْيِهِ الْوَاجِبَ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ، أَنْ يَنْحَرَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ شَاءَ، قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَبَعْدَهُ، وَيُطْعِمَهُ. وَكَذَلِكَ إِنْ كَفَرَ بِالطَّعَامِ، فَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِهِ مَتَى أَحَبَّ وَحَيْثُ أَحَبَّ. وَإِنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَكَذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، خَلَا مَا ذَكَرْنَا مِنَ اخْتِلَافِهِمْ فِي التَّكْفِيرِ بِالْإِطْعَامِ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: “ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا “، هَلْ لِصِيَامِهِ وَقْتٌ؟ قَالَ: لَا إِذْ شَاءَ وَحَيْثُ شَاءَ، وَتَعْجِيلُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: رَجُلٌ أَصَابَ صَيْدًا فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ، فَأَرْسَلَ بِجَزَائِهِ إِلَى الْحَرَمِ فِي الْمُحَرَّمِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ، أَيُجَزِّئُ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ قَرَأَ: (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ) قَالَ هَنَّادٌ: قَالَ يَحْيَى: وَبِهِ نَأْخُذُ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إِذَا قَدِمْتَ مَكَّةَ بِجَزَاءِ صَيْدٍ فَانْحَرْهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَقُولُ: (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ)، إِلَّا أَنْ يَقْدِمَ فِي الْعَشْرِ، فَيُؤَخِّرُهُ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: يَتَصَدَّقُ الَّذِي يُصِيبُ الصَّيْدَ بِمَكَّةَ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَقُولُ: (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ). الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: أَوْ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ مُحْرِمًا، عَدْلُ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ مِنَ الصِّيَامِ. وَذَلِكَ أَنْ يُقَوِّمَ الصَّيْدَ حَيًّا غَيْرَ مَقْتُولٍ قَيَّمْتَهُ مِنَ الطَّعَامِ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي قَتَلَهُ فِيهِ الْمُحْرِمُ، ثُمَّ يَصُومُ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَلَ الْمُدَّ مِنَ الطَّعَامِ بِصَوْمِ يَوْمٍ فِي كَفَّارَةِ الْمُوَاقِعِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلَّا جَعَلْتَ مَكَانَ كُلِّ صَاعٍ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ، صَوْمَ يَوْمٍ، قِيَاسًا عَلَى حُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَظِيرِهِ، وَذَلِكَ حُكْمُهُ عَلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ إِذْ أَمَرَهُ أَنْ يُطْعِمَ إِنْ كَفَّرَ بِالْإِطْعَامِ فَرْقًا مِنْ طَعَامٍ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ إِنْ كَفَرَ بِالصِّيَامِ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَجَعَلَ الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ فِي الصَّوْمِ عَدْلًا مِنْ إِطْعَامِ ثَلَاثَةِ آصُعٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ بِالْكَفَّارَةِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ، أَشْبَهُ مِنَ الْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ بِكَفَّارَةِ الْمُوَاقِعِ امْرَأَتَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؟. قِيلَ: إِنَّ “ الْقِيَاسَ “، إِنَّمَا هُوَ رَدُّ الْفُرُوعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، إِلَى نَظَائِرِهَا مِنَ الْأُصُولِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا. وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْجَمِيعِ مِنَ الْحُجَّةِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مُكَفِّرًا كَفَّرَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ بِالصَّوْمِ، أَنْ يَعْدِلَ صَوْمَ يَوْمٍ بِصَاعِ طَعَامٍ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ غَيْرَ جَائِزِ خِلَافُهَا فِيمَا حَدَّثَتْ بِهِ مِنَ الدِّينِ مُجْمِعَةً عَلَيْهِ، صَحَّ بِذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ مُعَادَلَةِ الصَّوْمِ الطَّعَامَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ، مُخَالِفٌ حُكْمَ مُعَادَلَتِهِ إِيَّاهُ فِي كَفَّارَةِ الْحَلْقِ، إِذْ كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ رَدُّ أَصْلٍ عَلَى أَصْلٍ قِيَاسًا. وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ الْفَرْعُ عَلَى الْأَصْلِ. وَسَوَاءٌ قَالَ قَائِلٌ: “ هَلَّا رَدَدْتَ حُكْمَ الصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ قَتْلِ الصَّيْدِ، عَلَى حُكْمِهِ فِي حَلْقِ الْأَذَى فِيمَا يُعْدَلُ بِهِ مِنَ الطَّعَامِ “؟ وَآخَرٌ قَالَ: “ هَلَّا رَدَدْتَ حُكْمَ الصَّوْمِ فِي الْحَلْقِ، عَلَى حُكْمِهِ فِي كَفَّارَةِ قَتْلِ الصَّيْدِ فِيمَا يُعْدَلُ بِهِ مِنَ الطَّعَامِ، فَتُوجِبُ عَلَيْهِ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ أَوْ مَكَانَ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ صَوْمَ يَوْمٍ “؟ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْلُ أَنَّ “ الْعَدْلَ “ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِالْفَتْحِ، هُوَ قَدْرُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَأَنَّ “ الْعِدْلَ “ هُوَ قَدْرُهُ مَنْ جِنْسِهِ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ يَقُولُ: “ الْعَدْلُ “ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: “ عَدَلْتُ بِهَذَا عَدْلًا حَسَنًا “. قَالَ: “ وَالْعَدْلُ “ أَيْضًا بِالْفَتْحِ، الْمِثْلُ. وَلَكِنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ “ الْعَدْلِ “ فِي هَذَا وَبَيْنَ “ عِدْلِ الْمَتَاعِ “، بِأَنْ كَسَرُوا “ الْعَيْنِ “ مِنْ “ عِدْلِ الْمَتَاعِ “، وَفَتَحُوهَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 123]، وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: “ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا “، كَمَا قَالُوا: “ امْرَأَةٌ رَزَانٌ “ وَحَجَرٌ رَزِينٌ “. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: “ الْعَدْلُ “ هُوَ الْقِسْطُ فِي الْحَقِّ، وَ“ الْعِدْلُ “ بِالْكَسْرِ، الْمِثْلُ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى.. وَأَمَّا نَصْبُ “ الصِّيَامِ “ فَإِنَّهُ عَلَى التَّفْسِيرِ، كَمَا يُقَالُ: “ عِنْدِي مَلْءُ زِقٍّ سَمْنًا “، وَ“ قَدْرُ رِطْلٍ عَسَلًا “. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَا “ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا “؟ قَالَ: عَدْلُ الطَّعَامِ مِنَ الصِّيَامِ. قَالَ: لِكُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، يَأْخُذُ زَعَمَ بِصِيَامِ رَمَضَانَ وَبِالظِّهَارِ. وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ رَأْيٌ يَرَاهُ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَحَدٍ، وَلَمْ تَمْضِ بِهِ سُنَّةٌ. قَالَ: ثُمَّ عَاوَدْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحِينٍ، قُلْتُ: مَا “ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا “؟ قَالَ: إِنْ أَصَابَ مَا عَدْلُهُ شَاةٌ، قُوِّمَتْ طَعَامًا، ثُمَّ صَامَ مَكَانَ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. قَالَ: وَلَمْ أَسْأَلْهُ: هَذَا رَأْيٌ أَوْ سُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ؟ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: “ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا “، قَالَ: بِصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إِلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ حَمَّادٍ: (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا)، مِنَ الْجَزَاءِ، إِذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَشْتَرِي بِهِ هَدْيًا، أَوْ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ مِمَّا لَا يَبْلُغُ ثَمَنَ هَدْيٍ، حُكِمَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ مَكَانَ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: “ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا “، قَالَ: إِذْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ شَيْئًا مِنَ الصَّيْدِ، حُكِمَ عَلَيْهِ فِيهِ. فَإِنْ قَتَلَ ظَبْيًا أَوْ نَحْوَهُ، فَعَلَيْهِ شَاةٌ تُذْبَحُ بِمَكَّةَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا، فَإِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَإِنْ قَتَلَ أَيِّلًا أَوْ نَحْوَهُ، فَعَلَيْهِ بَقَرَةٌ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَطْعَمَ عِشْرِينَ مِسْكِينًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، صَامَ عِشْرِينَ يَوْمًا. وَإِنْ قَتَلَ نَعَامَةً أَوْ حِمَارَ وَحْشٍ أَوْ نَحْوَهُ، فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ مِنَ الْإِبِلِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. وَالطَّعَامُ: مُدٌّ مُدٌّ، شِبَعَهُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، [وَسَأَلْتُهُ] الْمُحْرِمَ يُصِيبُ الصَّيْدَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، شَاةٌ، أَوْ الْبَقَرَةُ أَوْ الْبَدَنَةُ. فَلَا يَجِدُ، فَمَا عَدْلُ ذَلِكَ مِنَ الصِّيَامِ أَوْ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: ثَمَنَ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ثَمَنَهُ، قَوَّمَ ثَمَنَهُ طَعَامًا يَتَصَدَّقُ بِهِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ، ثُمَّ يَصُومُ بِكُلِّ مُدٍّ يَوْمًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَوْجَبْتُ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ مُحْرِمًا مَا أَوْجَبْتُ مِنَ الْجَزَاءِ وَالْكَفَّارَةِ الَّذِي ذَكَرْتُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، كَيْ يَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ وَعَذَابِهِ. يَعْنِي: “ بِأَمْرِهِ “، ذَنْبَهُ وَفِعْلَهُ الَّذِي فَعَلَهُ مِنْ قَتْلِهِ مَا نَهَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ قَتْلِهِ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ. يَقُولُ: فَأَلْزَمْتُهُ الْكَفَّارَةَ الَّتِي أَلْزَمْتُهُ إِيَّاهَا، لِأُذِيقَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ. بِإِلْزَامِهِ الْغَرَامَةَ، وَالْعَمَلَ بِبَدَنِهِ مِمَّا يُتْعِبُهُ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ.. وَأَصْلُ “ الْوَبَالِ “، الشِّدَّةُ فِي الْمَكْرُوهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا [سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ: 16]. وَقَدْ بَيِّنَ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: “ لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ “، أَنَّ الْكَفَّارَاتِ اللَّازِمَةَ الْأَمْوَالَ وَالْأَبْدَانَ، عُقُوبَاتٌ مِنْهُ لِخَلْقِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَمْحِيصًا لَهُمْ، وَكَفَّارَةً لِذُنُوبِهِمُ الَّتِي كَفَّرُوهَا بِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: أَمَّا " وَبَالَ أَمْرِهِ “، فَعُقُوبَةُ أَمْرِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَفَا اللَّهُ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، عَمَّا سَلَفَ مِنْكُمْ فِي جَاهِلِيَّتِكُمْ، مِنْ إِصَابَتِكُمُ الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ، وَقَتْلِكُمُوهُ، فَلَا يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَانَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِهِ إِيَّاهُ عَلَيْكُمْ، وَلَا يَلْزَمُكُمْ لَهُ كَفَّارَةً فِي مَالٍ وَلَا نَفْسٍ. وَلَكِنَّ مَنْ عَادَ مِنْكُمْ لِقَتْلِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، بَعْدَ تَحْرِيمِهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي كَانَ يَقْتُلُهُ فِي حَالِ كَفْرِهِ، وَقَبْلَ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ، مِنَ اسْتِحْلَالِهِ قَتْلَهُ، فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ. وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: مَنْ عَادَ لِقَتْلِهِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ فِي الْإِسْلَامِ، فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ فِي الْآخِرَةِ. فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنَ الْجَزَاءِ وَالْكَفَّارَةِ فِيهَا مَا بَيَّنْتُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَا “ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ “؟ قَالَ: عَمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ قُلْتُ: مَا “ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ “؟ قَالَ: مَنْ عَادَ فِي الْإِسْلَامِ، فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ. وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ، قُلْتُ لِعَطَاءٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَزَادَ فِيهِ، وَقَالَ: وَإِنَّ عَادَ فَقَتَلَ، عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. قُلْتُ: هَلْ فِي الْعَوْدِ مِنْ حَدٍّ يُعْلَمُ؟ قَالَ: لَا قُلْتُ: فَتَرَى حَقًّا عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعَاقِبَهُ؟ قَالَ: هُوَ ذَنَبٌ أَذَنَبَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَلَكِنْ يَفْتَدِي. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ وَأَبُو خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: “ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ “، قَالَ: فِي الْإِسْلَامِ، وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ. قُلْتُ: عَلَيْهِ مِنَ الْإِمَامِ عُقُوبَةٌ؟ قَالَ: لَا. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: “ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ “، عَمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ “ وَمَنْ عَادَ “، قَالَ: فِي الْإِسْلَامِ “ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ “، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. قَالَ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: فَعَلَيْهِ مِنَ الْإِمَامِ عُقُوبَةٌ؟ قَالَ: لَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ، وَكُلَّمَا أَصَابَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: “ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ “، قَالَ: مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ “ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ “، مَعَ الْكَفَّارَةِ قَالَ سُفْيَانُ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَقُلْتُ: أَيُعَاقِبُهُ السُّلْطَانُ؟ قَالَ: لَا. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ وَأَبُو خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: “ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ “، قَالَ: عَمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ: يَحْكُمُ عَلَيْهِ كُلَّمَا عَادَ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلَّمَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ نَاسِيًا حُكِمَ عَلَيْهِ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيِّ قَالَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كُلَّمَا أَصَابَ الصَّيْدَ الْمُحْرِمُ حُكِمَ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: مَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ ثُمَّ عَادَ، حُكِمَ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ، أَفَيُخْلَعُ! أَفَيُتْرَكُ!. حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: الَّذِي يُصِيبُ الصَّيْدَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَعُودُ؟ قَالَ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا عَمْرُو قَالَ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْفُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ كُلَّمَا عَادَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ عَادَ فِي الْإِسْلَامِ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ، بِإِلْزَامِهِ الْكَفَّارَةَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْبَرْقِيِّ قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: “ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ “، قَالَا “ يَنْتَقِمُ اللَّهُ “، يَعْنِي بِالْجَزَاءِ “ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ “، فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ مِنْ قَتْلِ مَنْ قَتَلَ مِنْكُمُ الصَّيْدَ حَرَامًا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ. وَمَنْ عَادَ ثَانِيَةً لِقَتْلِهِ بَعْدَ أُولَى حَرَامًا، فَاللَّهُ وَلِيُّ الِانْتِقَامِ مِنْهُ، دُونَ كَفَّارَةٍ تَلْزَمُهُ لِقَتْلِهِ إِيَّاهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ قَتَلَ شَيْئًا مِنَ الصَّيْدِ خَطَأً وَهُوَ مُحْرِمٌ، حُكِمَ عَلَيْهِ فِيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً. فَإِنْ عَادَ يُقَالُ لَهُ: “ يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْكَ “، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ. إِذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ حُكِمَ عَلَيْهِ. فَإِنْ عَادَ، لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ. ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: “ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ “. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ صَيْدًا وَأَنَا مُحْرِمٌ! فَقَالَ: هَلْ أَصَبْتَ قَبْلَ ذَلِكَ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: لَوْ قُلْتَ “ نَعَمْ “، وَكَلْتُكَ إِلَى اللَّهِ يَكُونُ هُوَ يَنْتَقِمُ مِنْكَ، إِنَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ! قَالَ دَاوُدُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: بَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ، أَفَيُخْلَعُ! حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: إِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، قِيلَ لَهُ أَصَبْتَ صَيْدًا قَبْلَ هَذَا؟ فَإِنْ قَالَ: “ نَعَمْ “، قِيلَ لَهُ: اذْهَبْ، فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْكَ! وَإِنْ قَالَ “ لَا “، حُكِمَ عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي الَّذِي يَقْتُلُ الصَّيْدَ ثُمَّ يَعُودُ، قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: مَنْ عَادَ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ، أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى شُرَيْحًا فَقَالَ: أَصَبْتُ صَيْدًا؟، قَالَ: أَصَبْتَ قَبْلَهُ صَيْدًا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَمَّا إِنَّكَ لَوْ قُلْتَ “ نَعَمْ “، لَمْ أَحْكُمْ عَلَيْكَ. حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شُرَيْحٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ الْأَشْعَثِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ شُرَيْحٍ، فِي الَّذِي يُصِيبُ الصَّيْدَ قَالَ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ عَادَ انْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: “ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ “، قَالَ: يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ عَادَ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَهُ: “ اذْهَبْ يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْكَ “، وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ أَبَدًا. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: رُخِّصَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ مَرَّةً، فَمَنْ عَادَ لَمْ يَدَعْهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ حَتَّى يَنْتَقِمَ مِنْهُ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِيمَنْ أَصَابَ صَيْدًا فَحُكِمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَعَادَ، قَالَ: لَا يُحْكَمُ، يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ. حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: “ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا “، يَقُولُ: مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ، نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ، فَذَلِكَ الَّذِي يُحْكَمُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَهُ: “ يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْكَ “. حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْفُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: إِنَّ عَادَ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَهُ: “ يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْكَ “. حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا الْأَشْعَثُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي الَّذِي يُصِيبُ الصَّيْدَ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَعُودُ، قَالَ: لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ مِنْ قَتْلِكُمُ الصَّيْدَ قَبْلَ تَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ. وَمَنْ عَادَ لِقَتْلِهِ بَعْدَ تَحْرِيمِ اللَّهِ إِيَّاهُ عَلَيْهِ، عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، عَامِدًا لِقَتْلِهِ، ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُنْتَقِمُ مِنْهُ، وَلَا كَفَّارَةَ لِذَنْبِهِ ذَلِكَ، وَلَا جَزَاءَ يَلْزَمُهُ لَهُ فِي الدُّنْيَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: “ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ “، قَالَ: مَنْ عَادَ بَعْدَ نَهْيِ اللَّهِ- بَعْدَ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ، وَأَنَّهُ ذَاكِرٌ لِحُرْمِهِ- لَمْ يَنْبَغِ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ، وَوَكَّلُوهُ إِلَى نِقْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَأَمَّا الَّذِي يَتَعَمَّدُ قَتْلَ الصَّيْدِ وَهُوَ نَاسٍ لِحُرْمِهِ، أَوْ جَاهِلٌ أَنَّ قَتْلَهُ مُحَرَّمٌ، فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحْكَمُ عَلَيْهِمْ. فَأَمَّا مِنْ قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا بَعْدَ نَهْيِ اللَّهِ، وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ، وَأَنَّهُ حَرَامٌ، فَذَلِكَ يُوكَلُ إِلَى نِقْمَةِ اللَّهِ، فَذَلِكَ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ النِّقْمَةَ. وَهَذَا شَبِيهٌ بِقَوْلِ مُجَاهِدٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ. وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ شَخْصٌ بِعَيْنِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، حَدَّثَنَا زَيْدٌ أَبُو الْمُعَلَّى: أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ صَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَتُجُوِّزَ لَهُ عَنْهُ. ثُمَّ عَادَ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ نَارًا فَأَحْرَقَتْهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: “ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ “، قَالَ: فِي الْإِسْلَامِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: “ وَمَنْ عَادَ فِي الْإِسْلَامِ لِقَتْلِهِ بَعْدَ نَهْيِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْهُ، فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ “، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَنْتَقِمُ مِنْهُ، لَمْ يُخْبِرْنَا وَقَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ الصَّيْدَ عَمْدًا مَا أَوْجَبَ مِنَ الْجَزَاءِ أَوْ الْكَفَّارَةِ بِقَوْلِهِ: “ {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} “ أَنَّهُ قَدْ أَزَالَ عَنْهُ الْكَفَّارَةَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، بَلْ أَعْلَمَ عِبَادَهُ مَا أَوْجَبَ مِنَ الْحُكْمِ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ مِنَ الْمُحْرِمِينَ عَمْدًا، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ مُنْتَقِمٌ مِمَّنْ عَادَ، وَلَمْ يَقُلْ: “ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا “. فَإِنَّ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْكَفَّارَةَ مُزِيلَةٌ الْعِقَابَ، وَلَوْ كَانَتِ الْكَفَّارَةُ لَازِمَةً لَهُ فِي الدُّنْيَا، لَبَطَلَ الْعِقَابُ فِي الْآخِرَةِ، فَقَدْ ظَنَّ خَطَأً. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَ عُقُوبَاتِ مَعَاصِيهِ بِمَا شَاءَ وَأَحَبَّ، فَيَزِيدُ فِي عُقُوبَتِهِ عَلَى بَعْضِ مَعَاصِيهِ مِمَّا يَنْقُصُ مِنْ بَعْضٍ، وَيَنْقُصُ مِنْ بَعْضٍ مِمَّا يَزِيدُ فِي بَعْضٍ، كَاَلَّذِي فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي مُخَالَفَتِهِ بَيْنَ عُقُوبَتِهِ الزَّانِيَ الْبِكْرَ وَالزَّانِيَ الثَّيِّبَ الْمُحْصَنَ، وَبَيْنَ سَارِقٍ رُبْعَ دِينَارٍ وَبَيْنَ سَارِقٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. فَكَذَلِكَ خَالَفَ بَيْنَ عُقُوبَتِهِ قَاتِلَ الصَّيْدِ مِنَ الْمُحْرِمِينَ عَمْدًا ابْتِدَاءً، وَبَيْنَ عُقُوبَتِهِ عَوْدًا بَعْدَ بَدْءٍ. فَأَوْجَبَ عَلَى الْبَادِئِ الْمِثْلَ مِنَ النَّعَمِ، أَوْ الْكَفَّارَةِ بِالْإِطْعَامِ، أَوْ الْعَدْلِ مِنَ الصِّيَامِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ عُقُوبَةَ جُرْمِهِ بِقَوْلِهِ: “ لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ “، وَجَعَلَ عَلَى الْعَائِدِ بَعْدَ الْبَدْءِ، وَزَادَهُ مِنْ عُقُوبَتِهِ مَا أَخْبَرَ عِبَادَهُ أَنَّهُ فَاعِلٌ بِهِ مِنَ الِانْتِقَامِ، تَغْلِيظًا مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْعَوْدِ بَعْدَ الْبَدْءِ. وَلَوْ كَانَتْ عُقُوبَاتُهُ عَلَى الْأَشْيَاءِ مُتَّفِقَةً، لَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ حَدٌّ فِي شَيْءٍ، مُخَالِفًا حَدًّا فِي غَيْرِهِ، وَلَا عُقَابٌ فِي الْآخِرَةِ، أَغْلَظَ مِنْ عِقَابٍ. وَذَلِكَ خِلَافُ مَا جَاءَ بِهِ مُحْكَمُ الْفُرْقَانِ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الزَّاعِمِينَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَنْ عَادَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ نَهْيِ اللَّهِ عَنْ قَتْلِهِ لِقَتْلِهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي كَانَ الْقَوْمُ يَقْتُلُونَهُ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ، فَعَفَا لَهُمْ عَنْهُ عِنْدَ تَحْرِيمِ قَتْلِهِ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ قَتْلُهُ عَلَى اسْتِحْلَالِ قَتْلِهِ. قَالَ: فَأَمَّا إِذَا قَتَلَهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَذَلِكَ أَنْ يَقْتُلَهُ عَلَى وَجْهِ الْفُسُوقِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْلَالِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَالْكَفَّارَةِ كُلَّمَا عَادَ. وَهَذَا قَوْلٌ لَا نَعْلَمُ قَائِلًا قَالَهُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. وَكَفَى خَطَأً بِقَوْلِهِ، خُرُوجُهُ عَنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى خَطَئِهِ دَلَالَةً سِوَاهُ، فَكَيْفَ وَظَاهِرُ التَّنْزِيلِ يُنْبِئُ عَنْ فَسَادِهِ؟ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّ بِقَوْلِهِ: “ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ “، كُلَّ عَائِدٍ لِقَتْلِ الصَّيْدِ بِالْمَعْنَى الَّذِي تَقَدَّمَ النَّهْيُ مِنْهُ بِهِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ، وَلَمْ يَخُصْ بِهِ عَائِدًا مِنْهُمْ دُونَ عَائِدٍ. فَمَنِ ادَّعَى فِي التَّنْزِيلِ مَا لَيْسَ فِي ظَاهِرِهِ، كُلِّفَ الْبُرْهَانَ عَلَى دَعْوَاهُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ. وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَنْ عَادَ فِي قَتْلِهِ مُتَعَمِّدًا بَعْدَ بَدْءٍ لِقَتْلٍ تَقَدَّمَ مِنْهُ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ، فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ، كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ: “ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ “، إِنَّمَا هُوَ: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ مِنْ ذَنْبِهِ بِقَتْلِهِ الصَّيْدَ بَدْءًا فَإِنَّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: “ لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ “، دَلِيلًا وَاضِحًا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَا قَالَ، لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنِ الْجُرْمِ: تَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ. وَمَنْ أُذِيقَ وَبَالَ جُرْمِهِ، فَقَدْ عُوقِبَ بِهِ. وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ عُوقِبَ: “ قَدْ عُفِيَ عَنْهُ “. وَخَبَرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصْدَقُ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِيهِ تَنَاقُضٌ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا تَنْكِرُ أَنْ يَكُونَ قَاتِلُ الصَّيْدِ مِنَ الْمُحْرِمِينَ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، قَدْ أُذِيقَ وَبَالَ أَمْرِهِ بِمَا أُلْزِمَ مِنَ الْجَزَاءِ وَالْكَفَّارَةِ، وَعُفِيَ لَهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ بِأَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعَاقِبَهُ بِهِ؟ قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلَ الْآيَةِ عِنْدَكَ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِقَوْلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فَمَا تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ الِانْتِقَامُ الَّذِي أَوْعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى الْعَوْدِ بَعْدَ الْبَدْءِ، هُوَ تِلْكَ الزِّيَادَةُ الَّتِي عَفَاهَا عَنْهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، مِمَّا كَانَ لَهُ فِعْلُهُ بِهِ مَعَ الَّذِي أَذَاقَهُ مِنْ وَبَالِ أَمْرِهِ، فَيُذِيقُهُ فِي عَوْدِهِ بَعْدَ الْبَدْءِ وَبَالَ أَمْرِهِ الَّذِي أَذَاقَهُ الْمَرَّةَ الْأُولَى وَيَتْرُكُ عَفْوَهُ عَمَّا عَفَا عَنْهُ فِي الْبَدْءِ، فَيُؤَاخِذُهُ بِهِ؟ فَلَنْ يَقُولَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا أَلْزَمَ فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: وَاللَّهُ مَنِيعٌ فِي سُلْطَانِهِ، لَا يَقْهَرُهُ قَاهِرٌ، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنَ الِانْتِقَامِ مِمَّنِ انْتَقَمَ مِنْهُ، وَلَا مِنْ عُقُوبَةِ مَنْ أَرَادَ عُقُوبَتَهُ، مَانِعٌ. لِأَنَّ الْخَلْقَ خَلْقُهُ، وَالْأَمْرَ أَمْرُهُ، لَهُ الْعِزَّةُ الْمَنَعَةُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: “ ذُو انْتِقَامٍ “، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ: مُعَاقَبَتَهُ لِمَنْ عَصَاهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ.
|